القصة .. القصيرة
ولد .. ميتآ
أحمد رجل صالح تجاوز الخمس عقود من عمره . يعمل في مجال التجارة كان ناجحآ
في عمله .
يعشق القراءة يكتب الشعر والقصة والرواية . مهذب خلوق يعشق عمل الخير
ويحب الجميع .
تسكن في الطابق الأول من البناية التي فيها مكتبه سيدة مقعدة على كرسي متحرك .
كان قد ذكرها له عامل الخدمات المتواجد في شركته .
وأكد له بأنها مقطوعة من شجرة هي وأبنها
وزوحها قد إنفصل عنها وتزوج منذ أعوام عدة . ويزور إبنه كل يوم ليطمئن عليه بعد
أن ينتهي من عمله ويتركهم لوحدهما ليذهب الى بيته الثاني .
كانت قد عانت الظلم الكبير من زوجها القاسي هي وإبنها الوحيد وعاناتها الأن من الفقر الشديد وهي حاقدة على هذا الوحش المسمى بزوجها وترغب بالإنتقام منه بشتى الطرق .
رق قلب أحمد لها وبدء بمساعدتها بطرق غير مباشرة ليتجنب جرح مشاعرها .
كانت تلك السيدة جميلة حسنة المظهر رغم فقرها وإعاقتها . كانت قد أكملت دراستها الجامعية قبل أن تتزوج .
فكر .. أحمد أن يفتح لها باب رزق لتحسن من ومستواها المعيشي وبطريقة فيها صون لها ولكرامتها .
عرض عليها أن تعمل في شركته كسكرتيره
مقابل راتب شهري مغري .
وإعاقتها لن تعيقها من العمل لأنها ستجلس
على كرسيها المتحرك وراء المكتب وعملها ليس بالصعب .
طلبت منه أن يمنحها بعض الوقت لتفكر وتعرض الأمر على زوجها الذي كان قد هجرها وتزوج بسيدة أخرى لكنها مازالت على ذمته وعملها متوفق على موافقته .
بعد عدة أيام جاءت السيدة لرجل الأعمال أحمد لتخبره بأن الموافقة قد تمت .
رحب بها وسلمها المكتب بكل مافيه ووضع لها خطة عمل وبرنامج تتبعه لإدارة شؤون
العمل في المكتب .
إستلمت العمل بالفعل وكانت الفرحة ظاهرة
على ملامحها . وأحمد شعر بالإرتياح لأنه
جعلها تشعر بإنها إنسانة والحياة لاتتوقف الا بعد خروج الروح .
كان معها لطيفآ للغاية وكل موظفي الشركة
يحبونها ويحترمونها .
شعرت بإن الحياة تضحك لها من جديد وعاد الأمل لها بحياة أفضل . تغيرت ملامحها وتبدل حالها نحو الأفضل . بدأت
تهتم بنفسها وبمظهرها وأسرت قلوب الجميع بحسن خلقها .
كانت نظرتها لأحمد نظرة إمتنان هو من أنار
لها دربها لتبلغ شاطئ الأحلام .
لاحقته نظراتها في كل أرجاء المكتب بدء الرجل يفكر فيها . شغلته روادته في أحلامه . رغم أعاقتها تمكنت من أن تأسر
قلبه .
رغب بمصارحتها لكنه تردد خوفآ من أن تفهمه خطئ أي أنه يستغلها فصمت .
لكن تلك النظرات تحاصره من كل إتجاه .
ظهر مافي قلبه على ملاح وجهه وكلامه وتصرفاته معها .
كانت المرأة ذكية جدآ وأوصلت لها رسالته
بادلته الود ولكن بحرفية .
تصرفها هذا جعله يدخل بدوامة ومتاهة كبيرة لامخرج منها .
بعد مرور ستة أشهر على وجودها معه في
مكتبه .
قالت له .. أريد أن أخبرك بسر .. ؟
أدفعت الدماء بقوة في شرايينه وتعرق جبينه . شعرت المرأة بذلك قالت هما أمرين
الأول .. بأمكاني أن أخبرك فيه الآن
والثاني .. من الصعب علي أن أقوله لك
تحمس الرجل كثيرآ وبلهفة كبيرة قال لها
تكلمي أرجوك .
فجاءة دخل أحد الموظفين ليوقع له أحمد
أذن إستيراد . وقع الكتاب أحمد على عجالة
وسلمه للموظف وعاد لها مسرعآ . لكنها كانت قد غادرت المكتب فقد أنتهى دومها .
عاد لمنزله مشتت الذهن فاقدآ للتركيز لم
تكن له رغبة في الطعام والتحدث مع أحد
وأنتظر الصباح التالي بلهقة وشغف كبير
قضى ليلته يدخن السجائر ويفكر .
مالذي جرى لي ماذا فعلت بي تلك السيدة
نظر لزوجته النائمة بقربه .
أزداد تشتت أفكاره هي رفيقة عمره وفرحة
صباه وساندته أيامي ضعفه وكانت له كل
مسميات الإخلاص والوفاء والعطاء بل كانت له ربيع عمره .
بدء رأسه يؤلمه وتوتر كثيرآ . لكن تلك السيدة لاتفارقه .
ولد فجر جديد وأمل جديد وواقع جديد
خرج أحمد مسرعآ من منزله بإتجاه شركته
لم تكن السكرتيرة موجودة .
أشتط غضبه وإنعكس هذا على عمله وتعامله مع الموظفين والزبائن وتشنج الموقف وأضطربت الأمور .
كان يومآ عصيب عانا منه الجميع وتلك السيدة لا أثر لها .
أنتهى الدوام فقد بلغت الساعة الثانية بعد الظهر .
رحل كل الموظفين ولم يبقى غير المدير أحمد وعامل النظافة .
أكمل العامل مهامه وودع المدير ورحل
أحمد يدخن بشراهه . ويضع قدميه فوق
مكتبه .
دخلت السيدة فأنتفض قال لها بصوت متشنج أين كنت لما لم تحظري اليوم لعملك .
لم تجبه ونظرت أليه بنظرة حب فهم
رسالتها وجلس على كرسيه الدوار .
قالت لم أنم ليلة البارحة ولذلك لم أستطيع
الحضور اليوم .. أرجوا المعذرة .
أجابها .. لاتكترثي للأمر ولكني شغلت عليك
كثيرآ .
قالت له مانوع قهوتك .. ؟
أجابها .. ساده .
إبتسمة وقالت له لاسادة بعد اليوم فنجانك معي فنحان مضبوط .. فهمت .. ؟
أومئ لها برأسه بأنه فهم .
أعدت القهوة وجلسا يتحدثان .
قال لها مالذي أردت أن تخبريني فيه البارحة .. ؟
قالت .. الأول بإمكاني أن أصرح فيه الأن
والثاني أعتقد مستحيل أن يخرج من شفتي .
بلهفة .. قال ماهو الأول .. ؟
تلعثمت وتردد .. لكنه أصر على معرفته وطلب منها أن تتكلم
قالت أنا .. عاشقة
أسند ظهره للكرسي الذي كان يجلس عليه
وبعد أن إلتقط أنفاسه وهدء نبضه
سألها .. من هو .. ؟
ترددت في أن تخبره عنه .. هنا إندفع وقال لها .. أأنا من تحبين .. ؟
أحمر وجهها وتعرق جبينها وخفضت رأسها
وأجابت .. نعم .. أنت من أحب .
جن جنون الرجل .. وطار من الفرح وعانق السماء سعادة .. وقال لها أنا أحبك كثيرآ .
عاد .. ليسألها عن الثاني وبألحاح
قالت له .. صعب جدآ أن أخبرك فيه يارجل
واصل ضغطه ليعرف الأمر الثاني .
كانت لهفته كبيرة ليعرف لأنه بالفعل كان
يحبها .
صرحت له بحبها فملك الدنيا ومافيها هو لم يكن ينظر لإعاقتها من يحب لايرى ممن يحب الا كل جميل .
وإصراره على معرفة الأمر الثاني لتكتمل فرحته .
وبعد معاناة وجهد كبير .. قالت سأخبرك
كان ينتظر بشغف كبير ذلك الخبر السعيد
تكلمي
قالت أريد .. أن .. ؟؟
وطلبت منه أن يكون خليلها .. !
وبزلة من لسانها .. ؟
قالت لأنتقم من ذلك الوحش الكاسر الذي هجرني وتزوج بزوجة ثاتية .
صعق الرجل .. وأستوقفها وقال لها .. ؟
ماذا تقصدين لتنتقمي منه وأن أكون خليلك
هل مازلت على ذمته وتودين أن يجمعنا سرير واحد .. أجيبي .. ؟
قالت .. نعم .. !
أنا .. مازلت على ذمته وهو قد هجرني ولم يطلقني وأود أن يجمعنا سرير واحد .. !
هنا .. توقف الزمن عند تلك الكلمة الحقيرة
وأسودت الألوان ونظر لكرسيها التي هو جزء منها .
سادت لحظة من الذهول من الامنطق من الامعقول وأختلفت كل الرؤى وأختفى كل جميل .
وجرح بسكين الغدر الوتين وتدفق دمائه
وتوقف ذلك النبض الراقي .
وبعد ثواني .. قال أحمد .. ؟
عذا ليس .. إنتقام .. ؟
هذا قتل لكل مسميات الجمال ووئد للشرف
هذا الجنون بعينه . لقد مزقت كل الصور بعيني وتشوهت الألوان وتسيد اللون الرمادي لاروح فيه ولاحراك .. انا أعتذر لنفسي التي أحبت بصدق النوايا وأنا أخاف الله ولست بخوان .
لم .. يتفوه بعدها بكلمة واحدة ونظر لها بنظرة لم تعرفها من قبل وحمل نفسه وغادر مكتبه .
لم يقد سيارته بل سار على قدميه وتلك السيجارة لم تفارق شفتاه .
توقف في منتصف الجسر ينظر للنهر وهو
يتهادى بجريانه .
وتنفس بعمق ليخرج ذلك الزفير المحمل بكل ذلك الحب النقي ويطلقه في الهواء
ليبعثره أو ليسقط في النهر ويحمله معه
لذلك البحر الكبير .
وقال .. ؟
ولد .. ميتآ ذلك الحب .. !
ليكمل طريقه مكسور الوجدان ويتوارى عن الأنظار .
ولد .. ميتآ
الكاتب
جاسم الشهواني
العراق
20 / 1 2020