(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم : تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
الفصل الثالث
------------------------------------------------------
-٢١-
نزيف الدم
كانت هلاله متنعمة بالعز الذي وصل إليه اولادها ؛المال، والجاه، والهيبة .
فبينما كانت منهمكة في غزل الصوف لاحظت أن وضع ابنتها غروب لايريح أبدا وهي تراها تذهب إلى التواليت في كل حين فتتقيىء وتعود، فما تلبث أن ترجع ثانية.
نهضت هلاله معترضة طريقها و سألتها:
-علامكي يابنت رايحه جايه على الحمام ..معاكي مغص وللا جاييتكي العاده؟
-لايمه لاهيك ولا هيك بس مقشعره شوي.
-مقشعره ليش ..شو موكله امبارح؟
-ماأكلت إشي غير الأكل إلي أكلناه مع بعضنا.
-تعالي ..قربي جاي خليني أشوف؟
وعندما اقتربت غروب، منها لاحظت أن وجهها شاحبا،وامرأة مثل هلاله لاتخفى عنها تلك الأمور ،وقالت:
-ليش وجهكي هيك يابنت ؟
-.................... .
-إطلعي بوجهي وجاوبيني يابنت ..ويش مالكي؟
-.................... .
-ولكي إصحي إتكوني..؟
-أ...أيوه يمه.
-حامل؟
-يمكن هيك.
-يمكن..وبتقوليها هيك ياقحبه يابنت القحبه..منتي مهتمه..يافضيحتكي ياهلاله قدام النسوان ...ولكي إنتي مجنونه؟
-عاد هاظا إلي صار يمه ..شوفيلي حل..حاولت إني أنزله بس مانزل.
-طيب ولكي هو إنتي كاينه مره مجوزه مشان تحبلي ..مهو هيك طبعا بدكي تنكشفي ..يييي على خيبتكي بيكي؟
-.................... .
-بدكي تفضحي إخوانكي إلي صار إلهم اسم وصارو هم الكل بالكل في القرية ..بدكي إتوطي روسهم ؟
-طيب إنتي يمه ماكنتي إتقوليلي صيري مثلي ..صيري مثل أمكي..أنا صرت مثلكي ..بس ماتوقعت إنو يصير حمل .
-وليش ماكنتي تتوقعي ..لتكوني بتفكري حالكي بعدكي بنت زغيره.. جاهله.. مابتفهمي..منتي أريكي مره..صدركي بوزن رطل؟
-................... .
-ياحسرتي وشو بدي أسوي هسى ..شو بدي أسوي ياغروب ..يابنتي الوحيده ..إلي مدلليتها ..وإلي بدها إتوطي روس عشر زلم بشوارب..شو بدي أسوي ببنتي الوحيده إلي ماهي حاسبه حساب لحدى بالدار؟
-حليها يمه زي مابتحلي دايما المشاكل ..منتي بتقولي دايما إنكي كنتي تحلي أي مشكله وتطلعي منها زي الشعرة من العجين لمنكي كنتي صبيه.
-ولكي أنا لمني كنت صبيه ماكنت غبيه مثلكي..أنا كنت أنتبه ..هو يعني لازم أحكيها إلكي عالمكشوف ..أنا مافي زلمه بهالقريه إلا ونمت معه ..أنا مارحت أنام مع واحد وأحبل منه وأنا ماني مجوزه..قليلي كيف بدي هسى أحل المصيبه هذه؟
-.................. .
-طيب قوليلي هسى ..مين هو هاظا إلي حبلتي منه..بلكي قدرت إني أحل المصيبة هذه معه قبل ماننكشف ..قولي مين هو؟
-مش واحد يمه ..هظول كثار ..كثار يمه.
فصفعتها على وجهها بقوة وهي تردد:
- يعني سديتيها بوجهي مو هيك..أعز بنت بخلفتي تروح إتبندق "أي تحمل بالحرام" هيك ..ياحسرتي ..ياشماتة النسوان بيكي ياهلاله..يافرحة الحيه فريال؟
ثم نظرت إليها نظرة كنظرة الغولة التي إتخذت قرارها أخيرا وقالت مؤكدة:
-طيب إسمعي ..لاتطلعي من الدار اليوم ..ولا تشوفي خوانكي ..وإصحي تنامي لحالكي ..بتنامي بغرفتي أنا على بين ماألاقي حل لهاي المصيبه..إنتي فاهمه؟
* * * * * * * * *
مع شروق شمس اليوم الأول ليحيى بين الصخور ،ينهض متعرقا ..لم يرى فرح ولا نوال في الغار ..تجول قليلا ،فرأى فرح تسبح في البحيرة ،فكانت أشبه بحورية البحر ،وقد سحره جمالها ..وجلس ينظر إليها.
وعندما رأته قالت له بسعادة:
-احنا اولاد الطبيعه ..بنصحى مع الطيور . مابنضيع لحظه أبدا..يله اشلح هدومك وتعال اغطس.. الميه حلوه؟
بعد أن شجعته فرح ،نزع ثيابه وقفز إلى البحيرة .
بالرغم من سعادة يحيى مع فرح، وفي الطبيعةالخلابة ،إلا أنه رأى في نومه رؤيا تتعلق بقريته كانت تؤرقه،
وقد لاحظت فرح شروده الذهني، والحيرة البادية عليه ،وعندما سألته عما به أخبرها بأنه قد رأى في منامه إحدى قريباته وأسمها غروب كانت غارقة في قناة القرية والتي تلونت بلون الدم ،وكانت تستنجد به وتطلب منه إنقاذها وإنقاذ أهل القريه من أنفسهم .
وقد إنتهى الكابوس برؤية وجه هلاله القبيح.
سألته فرح:
-مين هاي غروب ؟
-غروب بنت عمي بس مش باللزم..يعني مش بنت عمي أخو أبوي .
-وإنتي بتحبها يايحيى؟
-لا..شو أحبها..غروب هاي مش حلوه بالمره..سمرا كثير ..وكمان ناصحه"سمينة" كثير ..بعدين هي أكبر مني بكثير .
شعرت فرح بالراحة وقالت:
-طيب إحنا مالنا ومالها..فخار يكسر بعضه؟
حضرت نوال ومعها ثلاث أرانب برية كانت قد إصطادتها، وقالت:
-يله عاد ياعيال..عليكو إنتو هسى إتجهزو الحطب خلوني أولع النار وأشوي الأرانب.
* * * * * * * * *
في المساء يمر أخوة غروب بالمنزل كعادتهم ليروا غروب أختهم الوحيدة قبل توجههم إلى منازلهم ،لكن هلاله تخبرهم بأنها أرسلتها إلى خالتها لإيصال بعض الخضار لها وستكون هنا في الصباح الباكر،وعليهم ألا يتأخرو في صباح الغد لأنها تريدهم بأمر هام.
في تلك الليلة تنام غروب باحضان أمها هلاله وهي مطمئنة وواثقة كل الثقة بأن أمها حتما ستجد لها حلا ،لكنها لم تتنبه إلى دموع أمها المبللة وجهها.
بقيت هلاله مستيقظة تربت على صدر ابنتها غروب حتى إستغرقت في النوم العميق.
بعد ذلك أخرجت هلاله ذراعها من تحت غروب برفق، ونهضت ..توجهت إلى التواليت..جذبت منشفة الوجه ..أغرقتها بالماء ،ثم عادت إلى ابنتها غروب ..فجلست بكامل ثقلها ووزنها المرتفع جدا على صدرها كما وأنها فيل يمتطي حصانا..أفاقت غروب مذعورة ،وقالت:
-خلص يمه يعني بدكي إتقولي إنه هذا هو الحل يمه ؟
فقالت هلاله وهي تجهش بالبكاء:
-لازم إنكي تموتي يمه ياغروب.. غصبن عني يمه ياغروب ..مافي حل ثاني ..والله غصبن عني ..إنتي لازم إتموتي .
-طيب خليني أول إشي أشوف اخواني يمه ..أقل مافيها أشوف حسان...يم...
لكنها وضعت الفوطة المبللة على فمها وكتمت أنفاسها..وقاومت غروب..وقاومت ..و أن الروح غالية كما يقال ..حاولت التشبث بالأمل.. لكن ثقل هلاله وقوتها لم يمكناها من النجاة، فحدث نزيف حاد ..نزفت الدماء من أنفها..وفمها .
وأجهضت مافي أحشائها..فنزفت الدماء أكثر وأكثر..نزفت من كل مكان لتغرق الفراش وتلون سيقان هلاله السمينة..العارية.
وبعدما جحظت عينا غروب ،كررت أمها:
-أعذريني يمه ياغروب ماكان عندي حل ثاني ..مشان اخوانكي ياغروب..يله مع السلامه يابنتي؟
كانت هلاله وهي تكتم أنفاس ابنتها الوحيدة..المدللة تتذكر كلام حميدان..عشيقها..وحبيبها الذي فضل عليها فريال :
"شو رايكي نسميها عائده ياهلاله؟"
فترد عليه:
"لا مابحب هذا الاسم ياحميدان؟ "
"ليش ياهلاله."
"بخاف إذا سميتها عائده إنها تعود لربها؟"
لقد كانت وهي تكتم أنفاسها تشعر بأنها تكتم أنفاس حميدان أيضا ؛أبو غروب الحقيقي..في واقعة لاتنساها أبدا ..ولن تنساها ،لقد كانت تحاول مسح آخر ذكرى لها مع حميدان ..إن إستطاعت ذلك..ولن تستطيع..لن تستطيع أبدا.
* * * * * * * * *
بينما كان يحيى يرفع الحطبات عن الأرض..ظهر له ثعبان فحاصره متخذا وضعية الاستعداد للا نقضاض عليه ،فتقشعر بدنه وتسمر في مكانه دون حراك ،ولم يستطع حتى الصراخ .
فجأة إمتدت يد فرح وقبضت على الثعبان من عنقه وقد أحكمت قبضتها عليه ،وقالت له:
-تعال هون ياحقير ..شو بدك من يحيى؟
قال يحيى وهو لايزال يرتجف:
-لا.. لا..شو بتسوي يافرح ..إرميه..إرميه بعيد..لاتمسكيه بيدك؟
-ههههههه أنا متعوده ..مسكت إلي أكبر منه يايحيى..وبكره إنتي كمان بتتعود..لاتخاف علي أنا مثبتيته مليح ..تعال إمسكه بيدك حتى تتعود شوي شوي ؟
-لا ..لا الله يخليكي يافرح إعفيني.
-هههههههه ماشي مثل مابدك ؟
كانت نوال تراقبهما من وراء صخرة قريبة دون أن يرونها وهي تضحك على وضع يحيى الحرج وتكاد أن تقع على ظهرها من شدة الضحك.
* * * * * * * * *
كانت سارة مستغرقة في النوم إلى جانب زوجها عليان عندما طرقت هلاله بابها، أفاقت من النوم فزعة ،نهضت وذهبت إلى الباب ..فتحته لترى أمامها وجه هلاله الذي إزداد قبحا..عيناها أصبحتا حمراوتان تقدحان شررا ،وقالت لها:
-سكري الباب وتعالي معاي بدي إياكي؟
ذهبت سارة معها ،وعندما وصلتا إلى بيت هلاله ،قالت لها:
-اسمعي ياساره ..أريني كتلت غروب؟
-ياساتر يارب ..كتلتي غروب ..ليش ..إنتي بتحكي عن جد.
-أيوه كتلتها عمنها طلعت حامل ..وإذنكي بتجيبي سيره تراني بكتلكي مثل ماكتلتها..وإنتي عارفه إني بقدر ؟
-أه..والله إني عارفه ..عارفه إنكي بتقدري ياهلاله..وشو بدكي مني هسى.
-يله معي ساعديني وخلينا نغسلها مع بعض ونجهزها؟
لم ينقطع نزيف الدم بسهولة بالرغم من دلق الماء الكثير عليها ،فبعد جهد جهيد حتى تمكنتا من تجهيزها.
خصوصا أن غروب كانت أيضا سمينة جدا.
بعد الإنتهاء من مهمة منتصف الليل،
تعود سارة إلى منزلها لتندس من جديد في فراش زوجها ملاصقة له وهي ترتجف من هول مارأت عيناها.
وفي الصباح بقيت طريحة الفراش بعد إصابتها بالحمى.
* * * * * * * * *
في صباح اليوم التالي يمر اولاد هلاله بها قبل توجههم إلى أشغالهم، فيسألونها عن أختهم غروب ،فتطلب منهم الإنتظار حتى يتناولون الأفطار،عندما وضعت لهم الإفطار يقف حسان وهو أبيض وطويل القامة،ويسأل :
-طيب وين غروب ،ليش ماتجي تفطر معنا ؟
أجابت هلاله :
-غروب سبقتكو وأفطرت بدري ،وهسى قاعده بتتحمم ..أفطرو هسى بتجي لاتستنوها.
فعاد حسان للجلوس.
بعد أن إنتهوا من تناول إفطارهم مع أمهم كالعادة ،قالت هلاله لهم وبكل هدوء أعصاب :
-خلص هيك ياعيال ..خلصتو فطوركو وشبعتو..هسى عاد أسمعوني ويش بدي أقول إلكو..تراني ذبحت أختكو غروب ؟
قال حسان صارخا وقد سقطت من يده كاسة الشاي وإندلقت على ثيابه :
-شو بتقولي يمه..شو بتقولي؟
-إنتي مابتسمع ياحسان ..وللا طولك الخاسي أثر على سمعك كمان ..بقول أنا ذبحت أختكو غروب عمنها بندقت وحامل؟
أما سويلم الابن الأسود اللون وقد إزداد إسوداد وجهه كظلام الليلة الماضية ،فقال ثائرا:
-طيب وإذا بندقت وحامل بتروحي بتذبحيها..يعني هي لمين بدها تطلع ..ليش إنتي ما إنذبحتي مثليها يمه؟
إنهمرت دموع جميع إخوتها و
قال عليان :
-إنتي ليش بتتصرفي هيك على هواكي بدون ماتستشيري..بعدين هي أول بنت بتبندق بالقريه يمه..ليش مابتحكي قبل ماتتصرفي؟
قالت بتحد وبقسوتها المعهودة:
-أيوه بتصرف بدون ما أستشيركو بتعرفو لويش ..أنا بقلكو لويش ..عمني عارفيتكو منتو زلم مشان تذبحوها قمت أنا ذبحتها بدالكو..هيكو بتصيحو ودموعكو طايحه مثل الحريم ..ذبحتها مشان ماتفضحكو وإتوطي روسكو بعد كل إلي وصلتو إله بالقريه ؟
جرى حسان إلى أخته غروب المسجاة في غرفتها واحتضنها وأجهش بالبكاء .
أما سويلم فأخذ بالعويل كالنساء تماما بينما كان يوجه لأمه الصفعات وهي تغطي وجهها إتقاء لصفعاته.
أما حسن فكان يتلفت ويبتسم ببلاهة.
* * * * * * * * *
أمضى يحيى وقتا ممتعا في الطبيعة مع فرح ..يلهوان بين الصخور ،ومن قمم الجبال كانا يريان كل شيء ،وقد مر يحيى بالكثير الكثير من الممرات والمداخل والمغر، وأماكن لايجرؤ أحد على الوصول إليها.
يأكلان مما يصطادونه من أرانب وطيور وقنافذ وضباء وغزلان وماعز الجبل بالطرق البدائية .
* * * * * * * * *
كان عليان زوج ساره وهو أكبر أخوته ،وأكثرهم حنكة في التعامل مع الآخرين ،قد قام باتصالاته مع من يعرفهم من المسؤولين -وهم كثر -وأخبرهم بالحقيقة .
وبعد دفع المال..حصل منهم على تقرير بالوفاة، وشخص سبب وفاتها بأنه من جراء تجلط في الدم ،
وحصل على تصريح بالدفن.
وأقيمت لها جنازة مهيبة،وبكت هلاله وناحت مع النائحات ،وقطعت جدائلها، ومزقت ثيابها ،وعفرت نفسها بالتراب متقنة دورها ببراعة.
وبني لغروب ضريح جميل من صنع أيدي أخوتها ،وطوب مصنعهم ،وقفص حديدي لحماية الضريح في داخلة حديقة أزهار مصغرة،وشاهد أنيق كتب عليه"المرحومة صاحبة الصون والعفاف، وحورية الجنة غروب.
رحمها الله واسكنها فسيحة جنانه.
أما سارة فقد باحت بالسر لأمها وأبيها وأخوتها،وذاع ذلك السر في جميع أرجاء القرية والقرى المجاورة التي لايخفى عنها شيء أبدا ،لكن ..لا أحد كان يجرؤ على الإجهار به..فبقى السر المكشوف ..المخفي.
(يتبع ..)
تيسيرالمغاصبه
٢٧-٤-٢٠٢٤
