قيس جالس في مكان عمله، موقع بناء ضخم في مكان شبه صحراوي، إذ يشرف المهندس قيس على مشروع بناء مجمع تجاري بتصميم جديد ومبتكر،إذا نجح هذه المرة فإنه سيحصد أموالا طائلة ستمكنه من إشباع جشع زوجته ليلى المتذمرة من حاله المتواضع...
ليلى شابة جميلة،يبدو الذكاء جليا في عينيها الملونتين،شعر لامع وبشرة بيضاء لامعة، شابة في أواخر العشرينات من عمرها تنحدر من أسرة فقيرة مكونة من أمها رقية وأخوها آدم الذي يدرس في المرحلة الجامعية، اضطرت بعد موت أبيها للإشتغال في معمل للخياطة لتحمل مصاريف إعالتهما....وفي يوم من الأيام بعد منتصف الليل،حيث تغطت السماء بسحابة قاتمة، انتشرت بلا نظام،ثم تجمعت،وبدأت دمعات كبيرة تهطل من مآقي السحب. كانت السماء تمطر،والهواء المرتعش يتأوه مثل شهقات من يعاني من سكرات الموت، كانت قطرات المطر تتسرب إلى معطفها،فترتجف ليلى التي دثرت فيه عائدة إلى بيتها والخوف يملأها بعد أن تفحصت هاتفها لتجد إتصالات كثيرة من طرف والدتها،حاولت ربط الإتصال بها ولكن هاتفها كان مغلقا و أرادت أن تخبرها بأن مكروها قد وقع....
بعد قرابة النصف ساعة،وصلت إلى المنزل، دخلت مسرعة إلى الداخل لتجد والدتها تحتضن أخاها محمود وهو يتأوه من شدة الألم، يكاد قلب المرء ينفطر لرؤيته...لم تجد وقتا للإستفسار عما حدث،هرولت إليه محاولة بمعية أمها مساعدته على الوقوف والسير إلى الخارج،كانت الأمطار قد توقفت عن الهطول شيئا ما ، وحينما تمكنت ليلى من إيقاف سيارة أجرة لإيصالهم إلى أقرب مستشفى، دخلت ليلى مسرعة ، قاصدة مصلحة المستعجلات وخلفها والدتها رقية تحتضن محمود وتسند رأسه على كتفها، إتخدا مقعدا في قاعة الإنتظار بينما توجهت ليلى إلى مكتب المسؤولة على استقبال المرضى دونت بياناتها وشرحت لها الوضع إلا أن المسؤولة اشترطت على ليلى دفع ثمن الكشف الطبي قبل ولوج المريض إلى غرفة الفحص، توسلت بها ليلى كثيرا ودموعها تنهمر بغزارة ونظرها ينتقل بين المسؤولة ومحمود أخوها مشيرة إليه لتوضح للمسؤولة خطورة حالته، لتسمح لها بإدخاله على أن تجلب لها المبلغ فيما بعد، فما كان من هذه الأخيرة إلا أن أصرت على موقفها معللة ذلك بكونها مجرد موظفة تنفذ الأوامر التي تملى عليها.
وفي هذه الأثناء ، إقترب منهما رجل في الأربعينيات من عمره تبدو عليه علامات الترف كما البدانة ببطنه المنتفخة،له رأس كبير أصلع ويرتدي معطفا وبنطالا ألوانهما غير متطابقة إقترب منهما بعد أن شاهد كل ماحدث بينهما في تأثر كبير، أشار للموظفة بأن تسمح للمريض بالدخول لغرفة الكشف موضحا بأنه سيتكلف بمصاريف علاجه،إستدارت ليلى ووالدتها إليه ولسانهما ينطق بآيات الشكر والإمتنان وأصدق الدعوات إليه بادلهما بابتسامة في استحياء، وأفسح لهما الطريق ليلتحقا بمحمود الذي كانت تساعده إحدى الممرضات على الولوج لغرفة الكشف.
قدمت لمحمود كل الفحوصات اللازمة، إذ تبين بأنه كان يعاني من تسمم تسببت فيه وجبة سريعة تناولها في مطعم الجامعة وكتب له الدواء بعد أن أعطاه مسكنا على شكل حقنة. غادروا الغرفة بإتجاه المخرج،لكن ليلى توقفت حين رأت الرجل الذي ساعدهم يقف حاملا ظرفا كبيرا أبيضا وبدا كأنه ينتظر شخصا،تقدمت إليه في استحياء قائلة:
_أجدد لك شكري سيدي على تعاونك معنا،هلا إنتظرتني هنا سأوصل أخي وأمي إلى المنزل ،وآتيك بالمبلغ الذي صرفته في علاج أخي؟
أجابها بابتسامة
_لا تهتمي للأمر...لقد جئت هنا من أجل جلب نتائج بعض الفحوصات الخاصة بأحد أقربائي(قالها وهو يشير برأسه إلى الظرف الأبيض)وجلست أنتظر خروجكم لعلكم في حاجة إلى من يوصلكم إلى المنزل.كيف حال مريضكم الآن؟.
_أخي تحسن قليلا أشكرك على اهتمامك، ولكني لا....
قاطعها قائلا:
_أرجو ألا ترفضي طلبي، فإنه من الصعب أن تجدوا سيارة أجرة في هذا الوقت
أومأت ليلى برأسها موافقة على عرضه.
كان الفجر قد بدأ يبزغ في الخارج، وبالرغم من توقف الأمطار بفترة طويلة فإن بعض الطرق والشوارع لا تزال مغمورة بالمياه. توقف الجميع أمام سيارة فخمة جداا تقدم الرجل وفتح الباب الأمامي وأشار لمحمود بالصعود على متنها بينما ليلى ورقية فقد صعدتا في المقعد الخلفي.ساد الصمت طوال الطريق إلا من تأوهات محمود الذي مازال يشعر ببعض الألم وبعض إرشادات ليلى للرجل لتدله على الطريق المؤدي إلى منزلهم.
توقفت السيارة أخيرا أمام منزل ليلى،ترجلوا منها جميعا وأسرع الرجل لمساعدة محمود لكنه أشار له بلطف بأنه يستطيع السير لوحده، حياهم بابتسامة وهم ليغادر،لكنه بدا وكأنه تذكر شيئا، أدخل يده في جيب معطفه ليخرج منه بطاقة صغيرة أعطاها ل ليلى وهو يقول:
أدعى المهندس قيس الرفاعي وهذه بطاقتي الشخصية، إن كنتم في حاجة لأي مساعدة فلا تترددوا في الإتصال بي،أسعد الله أوقاتكم بكل خير.
بادلوه التحية،واستدار هو ليصعد بسيارته السوداء الفاخرة،إنطلق بها مسرعا،بينما دخل الثلاثة إلى المنزل،لينعموا بقليل من الراحة والإسترخاء بعد عناء ليلة طويلة ومتعبة....
يتبع في الجزء الثالث والأخير 😊
#نورا_بونعيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق