الخميس، 18 أبريل 2019

قصة بعنوان{{سِفر الحبّ}}بقلم الكاتب والاديب المتألق{{حسن تزكا}}

بقلمي ... 🌹HT

............ سِفر الحبّ ............

كان .... يا .... مكان

في إحدى الأزمنة الغابرة، لا هي في الماضي ولا هي في المستقبل.. 
لم يكن يعيش على هذا الكوكب الأزرق إلا قبيلتان اثنتان، الأولى تسمّى "ضوء القمر" ولا يسكنها إلا النساء، وتقع في شرق الهند. والقبيلة الثانية تسمى ''شعاع الشمس'' وتقع في غرب أمريكا الوسطى.
في ذلك العصر، لم يكن على وجه البسيطة سوى قارتين، يفصل بينهما محيط شاسع مترامي الأطراف، كان بمثابة الشبح المخيف، وقد نُسجت حوله الأساطير، وحكيت عنه أغرب القصص المرعبة. وكان كلّ من يحاول أن يعبره إلى الضفة الأخرى، يتيه وسط أمواجه، ويغرق فيه، فلا يسمع عنه بعد ذلك خبر. محيط عاتٍ، الداخل إليه مفقود، والخارج منه مولود.
في هذا العالم الغريب بكلّ تفاصيله، كانت حياة الناس بسيطة، وهادئة، ومرتبطة أشد الارتباط بالطبيعة. ورغم هذا فقد توصّل هؤلاء القوم إلى اكتشافات متطورة مدّوا بها حبال التواصل بين القارتين، رغم استحالة العبور.
في هذا العالم الخاص، اقتضت مشيئة الطبيعة أن يكون الناموس الحاكم لاستمرار الحياة في كلتا الجزيرتين في معزل عن أية غريزة، إذ يكفي حين يقرر أي فرد أن يكون له ابن، أن ينتظر رؤية قوس قزح، فيطلب أمنيته، فتتحقق لينزل الابن من السماء، ككبش إبراهيم. إنها الطبيعة حين تصفو السرائر، وترنو إلى الكمال، وتسمق نحو الطهر.
كان التواصل يتم عبر الطيور المهاجرة، طيور كانت مسخرة لهذا الغرض، وتمكث في الجو شهرا قبل وصولها. محمّلة برسائل الوجد والحبّ والعشق والرغبة الجامحة في الوصال. 
نعم لقد كانوا يعرفون الكتابة ... إنما بشكل آخر، يختلف عمّا نعهده اليوم.
الشيء الغريب الذي وسم هاته الحياة بكلّ تناقضاتها الصارخة، أن الابن يولد من السماء صغيرا في جزيرة ضوء القمر، ثم يكبر و يكبر حتى يشيخ فيموت. أما في جزيرة شعاع الشمس، فالأمر بعكس هذا، إذ ينزل الابن شيخا معمّراً، ليبدأ عمره في التناقص، فيصغر ويصغر، حتى يصل حافة الطفولة فيصعد إلى السماء. وكانت هذه الأحداث تقام وسط احتفال بهيج وطقوس تحتفي بالنازلين .. وتنعي الصاعدين..
وقد قدّر لـ "كابرييل" أن يعشق روح "ساندريلا"، وكان عمر الأول 70 سنة، وعمر الثانية 10سنوات ... لا مجال للمقارنة بين ما نعرفه عن مغزى الزمن الآن، وما كان عليه في هاته الحقبة. إن نسبية الزمن التي نسجت على طاولتها هذه القصة الخيالية لَمُغرقة في الحقيقة، وإنها ليست مجرد أضغاث أحلام، أو أساطير تحكى وقت السمر، ولكننا تغيّرنا، وفقدنا الإنسانية حين استبدلنا بالفطرة، فتائل الخداع والغدر والكذب. وفقدنا حلاوة العيش حين انغمسنا في روتين الكدح جريا وراء قطعة نقدية، تاركين وراءنا كل وشائج الحب تنقض غزلها، وتُحَلّ عراها...
نعود بكم من جديد إلى حيث كنّا وكنتم. حتى لا نفقد نشوة الحديث، ولا يهرب منا نورس القول، فيضيع بين طيات واقعنا المرير، الذي مهما أذبت فيه من قطع السكر الاصطناعي ... إلا وأذاقك العلقم.
أحبّها بصدق، ورسم عنها صورة في خياله، وكتب عنها أجمل القصائد، وعزف من أجلها أروع النغمات. تراءت له بين الشجر .. تحت ضوء القمر .. وأبصرها مبللة بزخات المطر .. ،تمناها قربه بكل شوق حتى تحرك في بواطنه بركان الشوق، وذاع صوت الحياة منه، فعبر بذلك محيط الفكر على صهوة الخيال، ليزف إليها نبأ حبه، فهو لم يعد ينتظر وصول طير، أو قدوم مسافر، فظل مرتقيا سنة بعد في سلّم الحب، نازلا في سلّم العمر..
أحبّته بدورها بكلّ جوارحها، وتخيلته في كلّ الأماكن، وهي تغازله بكلماتها، وتحادثه في خلواتها صباح مساء، في الشتاء وفي المصيف... في الربيع وفي الخريف. حتى توهج مصباح أنوثتها واستيقظت فيها بذرة الغريزة ... وهكذا بدأت الحكاية...
أحبها وهي طفلة، أحبته وهو شيخ ..
أحبّا بعضهما، لعشرين سنة بمقاييس عصر الحداثة، ومكيال المطففين، وهما يرتعان في سن الشباب، ويرفلان في نعيمه، ويفترشان ألقه. 
أحبته وهو طفل، وعشقها وهي عجوز..
تدفق شلال العشق الربراب، وتنازلت الطبيعة عن قوانينها، لمّا ...نزلت من عينيهما معا، في نفس اللحظة دموع الأسى والألم لاستحالة اللقاء .... فصرخا معاً، صرخة مدوية أنزلت المطر، وأشرقت الشمس وهزت الأرض، فتحرك الكون لأجلهما وانتفض.
صرخة لفظت آخر أنفاسهما، فصعدت روحهما إلى السماء، في موكب شهده كل الحاضرين والغائبين... فتولّد الزمن الجديد، لمّا أوقفت الطبيعة ساعتها، وحرّكت عقارب الماضي نحو المستقبل، فتحقق الحلم على أمر قد قدر..
وُلد قوس قزح جديد، أبهر الكون بسحره، وسما نحو الأفق تحية لهاتين الروحين الطاهرتين. وتلون بكل الأشواق التي سكنتهما، فتخلّصا من الذنب بهذا القربان المجيد.
اليوم ... مات إنشتاين ... وبقيت نسبيته
اليوم .... ضحّى كابرييل وساندريلا ..... ليبقي الحب
اليوم ... نطوي الأيام ... ونحلم ... ونتألم ... ليعيش الآخرون
وغداً .... سنرحل .... وهذه رسالتنا ... كتبناها بدمائنا ... على صفحة التاريخ ... ليتذكرها الغرباء، إذاما تغيّر الكون .. وفقد قوس قزح ألوانه.

بقلم
حسن تزكا

📗 #الكاتب #الذهبي 📗

ليست هناك تعليقات: