السبت، 10 أغسطس 2019

قصة قصيرة بعنوان{{خريف في راحتيها}} بمحبر الكاتب والاديب العراقي المبدع{{رعد الإمارة}}

(خريف في راحتيها )

بالرغم من هطول المطر المستمر، إلا إن موعدهما ظل ثابتا رغم ذلك، وفي آخر إتصال معها، حاول جاهدا إرجاء هذا الأمر،  لكنه اصطدم كالعادة بعنادها الطفولي الذي لطالما راق له.اختنق بضحكته وهو يتخيل بعضا من مواقفها العنيدة، كانت تضرب الأرض بقدمها الصغيرة عند أقل إشارة منه لإثارة غضبها، وأحيانا كان يتعمد فعل ذلك، فقط حتى يستمتع بالأمر، وبصدق فقد كانت الوحيدة القادرة على اضحاكه بتلك الصورة التي تجعل حتى  الدموع تطفر من عينيه. تعدت الساعة الرابعة مساءا ،الوقت يمضي، لكن السماء مازالت حبلى بكثير من المطر.اخذ يحدق يمينا وشمالا، في الطرقات التي قد تأتي منها. بحث عن شجرة أكبر هذه المرة، احتمى بظلها وأخذ يتابع النظر. في الجانب الآخر كانت هي تسير بسرعة تحت دفق المياه التي بللتها  وغسلت حذائها الاسود،توقفت قليلا وصدرها يعلو ويهبط، رفعت بصرها وحدقت في السماء، أدركت إن الوضع سيستمر لساعات ربما، هزت كتفيها وارتسمت بسمة صغيرة على شفتيها وهي تتخيل منظرها المزري، لكن بسمتها تحولت لضحكة طفولية  حينما تصورته بشعره  الخفيف وصلعته اللامعة،وتحت واحد من جدران البيوت المتفرقة لاذت وأخذت تحدق في حذائها الأسود الذي عبث فيه الوحل كثيرا. أصبحت المسافة قريبة ،لكن المطر ظل مستمرا في هطوله، ويبدوا إنه كان عازما على إحياء حفلة ماجنة بصحبة البرق والرعد وحتى الريح التي بدأت تصفر بقوة. انتابتها رجفة إهتز لها كل جسدها الرشيق لكنها واصلت السير مع ذلك، وأحيانا كانت تنحني أثناء سيرها وكأنما في انحنائاتها هذه تلتقط شيئا ما.لمحها من بعيد، إنها هي، رمى بسيجارته المشتعلة، هرول إليها تحت وابل المطر وخلع معطفه بسرعة وأحاط بها. قادها إلى ظل الشجرة الكبيرة، أمسك بها من كتفيها، حدق النظر في ملامح وجهها الحلو الذي عبث به المطر ثم اغرورقت عيناه، وأدرك كم إن المطر كان قاسيا معها إذ اتلف تماما كحل عينيها.تنهدت وابتسمت في وجهه، نظر بجبين مقطب إلى راحتيها المضمومتين!!تابعت نظراته وفتحت أصابعها المبللة ببطء، وادهشه مارأى! كان ثمة أوراق صفراء ذابلة مبللة وقد غمرها الوحل تملأ راحتيها!همست له وعيناها تلمعان 
-أنت دوما تقول بأنك خريف، وإن الأوراق الصفر الذابلة هي سنين عمرك! إنظر لقد أحضرت بعضها حتى لا  تطيرها الريح!ثم ازداد لمعان الدمع أكثر في عينيها شبه المكحلتين. رمقها بعتاب، شعر بحنين جارف، وضع يده على رأسها المبلل وقبله طويلا، ثم ضمها إلى صدره وهمس بأذنها 
-اطمئني يا طفلتي، فرغم كل شىء مازلت هنا، لاعليك لن يأخذني شىء منك، لا الريح ولا غير الريح!!!


بقلم /
رعد الإمارة
 /العراق 
في 8/8/2019

ليست هناك تعليقات: