الخميس، 19 سبتمبر 2019

قصة قصيرة بعنوان {{جرح لا يندمل }} بقلم الكاتبة العراقية القديرة الاستاذة {{ناهد الغزالي}}

جرح لا يندمل

أجبرتني ظروف العمل على السفر،
أقمت مع صديقتي الغالية ندى.
تقاسمنا أرغفة الغربة، شبكنا معا ضفائر الأمل بمشبك الصبر.
مر على سفري عام بأكمله، لم أكن أتوقع أن أصبر  خاصة أن حب قريتي يتغلغل في قلبي.
قربت الامتحانات، وقرب معها موعد عودتي لربوع الوطن.
جهزت الاختبارات وتركتهم على الطاولة دون ترتيب. خرجت للسوق لأشتري أغراضا لأهلي.
مابال الوقت يمر بتأنٍّ كأنه يدوس على قلبي.
وأخيرا ذهبت للمعهد وحلم العودة جعلني أبتسم لكل من يمر أمامي.
وصلت القاعة...هممت بالدخول، لكنّي فوجئت بشرطيّ ضخم البنية يمنعني...
-مالذي تفعله؟ أكيد أنت مخطئ...
أنا سيما مدرسة اللغة العربية...
لم يأبه لكلامي وأمرني أن أرافقه إلى مركز الشرطة...
انفطر قلبي حزنا، احترقت روحي من لظى الظلم. بكيت بمرارة. ماالذي يحدث؟
لكن لا مجيب.
أي نظرة اتخذها تلاميذي عني؟ كيف سأكون قدوة وأنا في نظرهم مجرمة.
زج بي الشرطي في الزنزانة، فانهالت عليّ الأسئلة من السجينات. أصابني الهلع...إنهن مخيفات...
انطفأ حلم العودة، واستعرت نار الحيرة. ماهي تهمتي؟
بعد ليلة بائسة، أخبروني أنني قمت بتسريب الامتحانات مقابل مبلغ ماليّ ضخم.
ياللورطة! من الذي قام بذلك؟ وما دخلي أنا؟ 
تتالت الأيام وأنا أذبل وأفقد الأمل، خاصة بعد صدور الحكم؛ السجن خمس سنوات  مع خطية مالية بقيمة ألف دينار.
انقطعت أخبار صديقتي ندى، ولم يزرني أحد لمدة سنة.
أدمنت البكاء، وكتابة الخواطر، عناكب الخوف حاكت شباكها في تلافيف ذاكرتي.
اليوم وعلى غير عادتي، أحسست براحة كبرى، أكيد لأنني كنت ليلة كاملة أصلي وأدعو الله أن يفك كربي ويفرج عني.
ناداني حارس السجن، "لديك مقابلة الآن"
تهللت أساريري، كنت متأكدة أن صديقتي ندى لن تنساني، ربما مرت بظروف قاسية منعتها من مقابلتي.
وصلت إلى مكتب اللقاءات، إنها تلميذتي سهى...
جلسنا معا، تظاهرت بالقوة و تماسكت أمامها، لا أريد أن تراني ضعيفة.
صعقت عند سماع كلامها ولم أصدقها، لكنها وعدتني أن تأتي بالدليل الذي يفك أسري.
أأبكي من هول الصدمة أم أفرح لقرب الإفراج عني.
أي عذاب كتب لي! صدمة تلو أخرى، ولم أعد قادرة على تحمل هذا الوضع.
لم تكذب تلميذتي، ها أنا رفقة المحامي وأمامي في نفس القاعة المتهمة الجديدة  ومحاميها.
ضرب القاضي بمطرقته،
ومن فرط جنوني، صرت أغني بداخلي "كن منصفا يا سيدي القاضي"
بالفعل تخونني لغتي وألفاظي...
مرت مدة سجن صديقتي وتغيرت بحياتنا عدة أشياء.
ندى! ماذا تريدين مني بعد كل ما فعلته؟
-للتو خرجت من السجن، ولا أعرف أحد غيرك، أرجوك سامحيني، أنا من خنت أمانتك مقابل مبلغ مالي
طلبه مني الحقير أنور...
لأنني اعتبرتها أختا وأحببتها، سامحتها...
ارتمت بأحضاني، لكن شيء ما انكسر بداخلي، لم أعد كالسابق.
تركت لها المنزل ليسترها...وانتقلت إثر زفافي...

ناهد الغزالي

ليست هناك تعليقات: