الخميس، 12 سبتمبر 2019

قصيدة{{على ملة الجدب كانوا..!! }} بقلم الشاعر المصري القدير الاستاذ {{كريم خيري العجيمي}}

على ملة الجدب كانوا..!!
..............................
حينما تضج الدواخل..
وتشتكي الملامح..
وتأبى الشفاة المطبقة أن تفصح عما أطبقت..
رافضة أن تبوح..
وتغوص الملالة في الخوافق حد الضجر..
فهذا معناه أننا وصلنا لأقصى درجات الوجع..
تلك اللحظة التي تستقر فيها العقيدة والقناعة على أن البوح والكتمان كلاهما واحد..
فلحرف يلوح في الأفق البعيد على ملة الشكوى ينزف دون جدوى..
وكتمان في آتون الصدر يغلي على ملة البوح..
كلاهما واحد..
حتى يخيل للناظر لوهلة أنه أمام أبكم..
والحقيقة أننا انتقلنا من البوح إفصاحا..
إلى الإفصاح صمتا..
وعزمنا على الصمت لا يرق ولا يلين..
قال أحدهم ذات يوم:
سيأتي عليك زمان تتوجع فيه من كل شئ..
حتى الصمت سيؤلمك..
صادق هذا القول..
صادق جدا..
الفرق الوحيد..
أننا ذات زمن ما حسبنا حسابا لهذا الزمن..
وكنا نمد خريطة الآمال على أرض جرداء آملين أن تبدل اعتناقها للجدب دينا..
وتزهر ياسمينا ذات يوم..
ونسينا أن الطبع غالب..
فمن كان أصلة قحطا كيف تأمل أن ينبع الماء من بين أنامله يوما..
كانوا مساحات شاسعة من البوار والسراب..
لا ينبت حبا ولا يروي ظمأ..
محض معدن يضربه الصدأ إذا ما عري من بهرجه..
وترك في العراء بلا حماية..
فمهما لمع تحت ضوء ليل مدلهم..
حتما تتضح حقيقته إذا سطعت شمس النهار..
فليس كل ما يلمع في الليل ذهبا..
كانوا محض خيبة كبيرة بحجم سماء..
جعلناهم سقفا للأمنيات حينما كنا نحتاج لثريا نتطلع إليها في رحلة البحث عن الذات..
وحينما حل موعد الإختبار لمن يبقى معك ومن يذهب مع من ذهب..
ذهبوا وكأنهم لم يعرفونا يوما..
واختاروا الأطمار والإستبرق والذهب..
وكان لسان حالهم يسخر منا..
يا أبناء الجهالة والبطالة والتعب..
من أنتم لتمروا على أرض نحن فيها..
ملاكها..
من أنتم يا مجهولي الهوية والنسب..
أنتم فينا كعابر سبيل..
سقيناه يوما من كأسنا ثملا..
وننتظر الجزاء إذا شرب..
مقتول إذا رفع الطرف تطلعا..
مجنون إذا تجرأ واقترب..
عجم أنتم بلا لسان ولا بيان..
ولا فصاحة عندنا لغير العرب..
فلا عجب أن نرميه بالجنون..
وإذا سجن فلا عجب..
فليس بمستغرب إذن يا سادة بعد أن اتضح لنا وجه الزمان وبان..
أن نعتزل البوح للبشر..
ونكتفي بالبوح للورق..
وفوق السطور ننزف من مداد الدواخل ألما يعجز البشر عن حمله سرا..
فكيف بمن يحمله قدرا..
لا لشئ إلا أننا تعودنا على خذلانهم لنا كثيرا جدا..
وهل رأيتم قبلا ورقا يشتكي..
أو قلما يأبى..
أو سطورا تكل..
أو مدادا يمل..
لا..
وإذا كان الجواب لا..
فحتما نعتزلهم لنشكو للورق في زمان صارت فيه الأحجار أرق من قلوب بعضهم..
تشكو ظلمنا لها إذا شبهنا قلوب البعض بها..
وتصمت هي الأخرى اعتراضا..
وترفع دعواها إلى السماء..
لتشكو البشر..
لرب البشر..
عذرا سقط القلم..


كريم خيري العجيمي

ليست هناك تعليقات: