الجمعة، 28 فبراير 2020

قصة قصيرة بعنوان {{هلوسة}} بقلم القاص العراقي القدير الأستاذ {{ رعد الإمارة }}

قصة (هلوسة )

كان الطقس حارا ولزجا، حدقت في سقف الغرفة ،إلى حيث المروحة السخيفة التي كانت تدور بصورة عرجاء، وتذكرت عندما ابتعتها أول مرة، فتحسرت بقوة ! ارهفت سمعي جيدا، كان ثمة حركة مصدرها البراد الصغير القابع خلفي، آه، سيبدأ الموال أخيرا. كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل حينها، طردت عن ذهني فكرة النوم مجددا، جلست في سريري، فأصدر الأخير صريرا مزعجا، التفت يمينا نحو البراد، كفت حركة الزائر الضئيل الخفي، فأر لعين هكذا همست مع نفسي قبل أن أشعل  سيجارة. وضعت علبة السجائر في جيبي،رحت أدور في غرفتي الفقيرة الأثاث قبل أن افتح باب البراد، قلبت شفتي متبرما وأنا أحمل معي بقايا العشاء البسيط ،وتسلحت بعلبة بيبسي صغيرة قبل أن أترك الغرفة هربا من الحر اللعين!. كانت طاولتي الصغيرة في مكانها المعهود، وضعت بقايا الطعام ثم جررت المقعد البلاستيكي بصوت مسموع وأنا التفت صوب باب الغرفة، فكرت بإن حركتي هذه قد تصيب الفأر الكريه بالذعر ولو للحظة! تناولت نصف شطيرة الكبدة المتبقية، وقضمت منها قضمة، عندها مدت القطة البيضاء المرقطة بالأسود رأسها من حافة حاوية المهملات، قالت ميو، لكن بصوت ضعيف، رحنا نتبادل النظر، أنا بعيني الرماديتان وهي بعينيها الخضراوين الواسعتين،لم تكن علاقتنا طيبة جدا ! أما السبب فراجع للخيبة التي استشعرها تجاهها! يكفي مثلا إن غرفتي تعج بالفئران اللذيذة، والتي تعتبر الغذاء المفضل لها ولأترابها على حد سواء، لكني لم أرها تصطد فأرا أو حتى تفكر بالأقتراب منه!. واصلت قضم الشطيرة ،قفزت القطة عن حافة الحاوية وراحت تقترب مني،أصدرت علبة البيبسي عندما سحبت السدادة صوتا جعل القطة ترتد للخلف وتقف في مكانها، لكن هذا لم يمنعها من أن تقول ميو بصورة حملت معنى التوسل هذه المرة! حتما شمت رائحة الكبدة، هكذا همست لنفسي. اقتطعت نتفة صغيرة وألقيت  بها صوبها، رحت أراقب المنظر، أحنت البيضاء المرقطة رأسها أولا، ثم حدقت بي مطولا، قبل أن تمد لسانها الوردي الصغير لتداعب قطعة الكبدة وتزدردها دفعة واحدة، أخذت هذه المرة تلعق فمها ثم مخالبها،كنت اراقبها وأنا انفث دخان السيجارة للأعلى. شعرت بحركة اسفل قدمي، جفلت قليلا، تبا، متى وكيف وصلت بهذه السرعة! فكرت بأن امنحها رفسة مجانية، لكنها راحت تتمسح بقدمي وكأني أحد احبائها! تركتها على سجيتها وواصلت تدخين سيجارتي، هبت نسيمات هواء فجأة،اختض لها جسمي، فأصابتني قشعريرة جعلتني ارتجف من رأسي حتى اخمص قدمي، تراجعت القطة للخلف، رفعت رأسها وأطلقت في وجهي مواءا طويلا منغما وكأنها تقول، أنا جائعة يارجل! منحتها مزيدا من قطع الكبدة الشهية، تناسيت غضبي منها وقلت مع نفسي، هي أيضا وحيدة مثلي على كل حال!كانت منحنية ومشغولة بأزدراد طعامها، أخذت أتأمل ظهرها المقوس، كان بوسعي عد اضلاعها لو أردت!. كانت علبة السجائر على وشك النفاذ حين نهضت عن مقعدي، شعرت ببعض الدوار وادركت بأن الفجر على وشك أن ينبلج، تخيلت الحر في غرفتي، مروحتي الهرمة، الفئران المزعجة، كان يتحتم علي رغم ذلك، أخذ قسط ولو بسيط من الراحة فغدا تبدأ مناوبتي الأسبوعية في العمل. تركت باب غرفتي مشرعا ،وابقيت على النور مضاءا هو الآخر، وجدت أنه لا فائدة من إغلاق الباب، فالفئران بوسعها الدخول من أي مكان مادامت اجسادها اللعينة مرنة وضئيلة! تقلبت كثيرا في سريري، كانت القطة ساكنة عند زاوية السرير المقابل لسريري! آه، رمشت بعيني، تذكرت المخلوقة التي كانت تشغل هذا السرير، تبا لها! لقد رحلت بعد أن فطرت قلبي! حاولت أن اطرد عن ذهني محاولات التفكير بها، لم تكن شريكة حياتي بقدر ماكانت عدوة! أنزلت كلتا يدي بجانبي، فكرت بأنه لو كانت الأصابع تتكلم! سحقا، ماذا فعلت بنفسي. لا أتذكر أنني غفوت كثيرا، ربما ساعة أو أكثر من هذا بقليل، آه، إنه ذات الحلم يتكرر، عيون عميقة ومتسعة، إنها تمتطي جسدي بسهولة كبيرة، تزحف من الأسفل عارية تماما، يتبعها شعرها الأسود الغزير، يشع وجهها الذي أعرفه جيدا، ثم تكبر ابتسامتها الماكرة، تحدق في بعينين تومضان إثارة، تضع سبابتها عند شفتيها، تأمرني بالصمت وهي تزيح يدي عن خصرها الساخن. نفس التفاصيل لكن لا! هذه المرة ثمة إختلاف وكأن اصابعها تلك الرفيعة قد تحولت إلى مخالب! ينتابني بعض الخوف، تحدق في بسخرية ،تزحف اصابعها ذات المخالب على صدري، الاحق نظرتها المتوهجة باللون الجديد المائل للأخضرار ،تنحني على وجهي فيخفي شعرها الأسود الغزير كل أثر لنور،تختلط ضحكاتها بفحيح كريه يتبعه مواء ضعيف سرعان مايشتد مع ازدياد ضغط جسدها المتمكن من بطني، يجتاحني الم طفيف عذب في بدايته، تبا، أكاد اختنق! أمد يدي صوب عنقها، تتيه اصابعي في كثافة الليل الأسود المنسدل، لكنها تتمكن من عنقها المرن، تنطلق آهة خافتة، يطل وجه زوجتي الخائنة وهي تتوسل أن اعفو عنها، تتصاعد حشرجة غريبة، يشتد الضغط على العنق، ثم يتراخى كل شيء!. اتسعت عيني وأنا احدق في سقف الغرفة، تناهت إلى سمعي أصوات منبهات السيارات من الخارج، آه، لقد طلع النهار أخيرا، حاولت إسترجاع حلم الفجر الكريه، صداع يضرب برأسي،ماهذا! رفعت يدي الأثنتين للأعلى، ثمة خدوش تملأ ساعدي، خدوش رفيعة تمتد بشكل طولي متعرج،عجبا! هذا لم يحدث في أحلامي السابقة، حانت مني التفاتة صوب السرير الآخر، كتمت آهة طويلة، فعلى أرض الغرفة كانت القطة البيضاء المرقطة بالأسود ،ترقد بأقدام مبسوطة ،وقد اندلع لسانها جانبا، كانت ميتة!!(تمت )

بقلم /رعد الإمارة /العراق 

272/2020

ليست هناك تعليقات: