الاثنين، 27 أبريل 2020

ج2 من رواية {{رجل ونساء}} بقلم الكاتب العراقي القدير الأستاذ{{رعد الإمارة}}

رواية (رجل ونساء) الحكاية الأولى /غصون البطة /ج٢

شعرت ببعض الحسد نحو صديقي، ياالهي، من أين تهبط عليه كل هذه الجرأة العجيبة! كان يقف عند الطاولة فوق رؤوس البنات الثلاث، اللواتي التفن برؤوسهن صوبه،  وهن مأخوذات بالأستماع لحديثه الممزوج بالمرح والفكاهة، اللعين كان  يصوب نظراته نحوي مابين حين وآخر ، وهو يتحدث بلسانه وحركات يديه! تعالت ضحكته ، تبادلنا النظر، همست لنفسي، مابه! هل أصابه مس من الجنون! فجأة استدارت رؤوس البنات صوبي، واحدة منهن ضحكت وغطت فمها بيدها، أما البطة ذات الضفيرة السوداء، فإنها أخذت ترمقني بثبات دون أن تحول نظراتها عني، اشحت بوجهي بعيدا، حتما هذه مجموعة مجانين! هكذا فكرت. لم يطل الأمر بصاحبي لأنه عاد سريعا، انحنى فوقي وجذب يدي، قال وهو يضحك بصوت خافت :
_ نحن معزومون هناك - أشار بسبابته صوب طاولة البنات - أعني أنا وأنت. قلت وقد احمر وجهي :
_لكن هذا عيب، لا استطيع، أرجوك اترك يدي. عقد مابين حاجبيه وهو يحدق في، همس وهو يزداد انحناءا :
_وما العيب في ذلك! لاتنسى إننا زملاء في العمل، انظر حولك، الكل يفعل ذلك، يأكلون مع بعض ويمزحون ويضحكون، لا تكن معقدا، لقد حدثتهن عنك، اخبرتهن بأن لديك مجموعة أخرى من صور الساحل والغروب المثير. حاولت إفلات ذراعي لكن قبضته اشتدت على معصم يدي، لفت انتباهي وانا افعل ذلك، نظرات البطة نحوي، ياربي، إنها مازالت تحدق في، وكأني مخلوق غريب هبط من الفضاء! نهضت عن مقعدي، رحت اتبع صاحبي الذي اخذ يمشي أمامي وهو يتلفت صوبي ويبتسم، كنت حانقا جدا عليه، آه، ما باليد حيلة. جر صديقي أحد المقاعد ودعاني للجلوس بطريقة مسرحية وهو يضحك، شعرت بالأرتباك، هطل الضحك الخافت على البنات، لكن البطة اكتفت بالأبتسام، رحت انقر بأصابعي على حافة الطاولة، واصل صديقي حديثه الجانبي مع إحدى البنتين، كان اسمها سمر، لكن صديقي كان يناديها سمرمر! تبا، كم إنه جريء. مدت البطة ذات النظرات الحالمة يدها تحت الطاولة، لكنها واصلت النظر نحوي، كنت أجلس في مواجهتها تماما، سرعان ما أخرجت كيسا أسود اللون ووضعته برفق أمامها، ثم راحت تدس اصابعها فيه وقد قطبت حاجبيها، سمعت صديقتها الثانية تقول لها :
_ماذا تفعلين ياغصون. الله، رحت أهمس لنفسي بالإسم، هي غصون إذن! خفق قلبي بقوة رغما عني، رفعت بصري فوجدتها تحدق في وجهي، حتى إنها تنهدت. صفت البنات شرائح الباذنجان والبطاطا المقلية على صحيفة مستعملة، ونثرت سمر أعواد المعدنوس والنعناع، أما البطة فدفعت بيدها طبقا من كبة الجريش المحشوة باللحم أمامي، فعلت ذلك بيدها البضة الرقيقة وهي تبتسم! تنحنح صاحبي واختطف واحدة بسرعة، قال :
_الله، لذيذة جدا، سلمت يداك غصون. بدا الأرتباك جليا واضحا في حركات أصابعي المحتارة، وددت لو إني اخفيت يدي عن الأنظار، تبا لها، كانت أصابعي ترتجف! كانت المرة الأولى التي أجلس فيها إلى ثلاث بنات، كان صديقي العجيب نهما للطعام، رغم إنه لم يمض وقت طويل منذ أن التهم وجبته! سمعته يحدث البنات وفمه ممتلئ :
_إنه خجول بعض الشيء، لكن لديه صور عجيبة!. احمر وجهي، حاولت رفع بصري، لكنه اصطدم بنظرات البطة التي بدا إنه لا شاغل لها سواي، قالت :
_تذوق من هذه الكبة، وقل مارأيك بها، إنها من صنع يدي. قالت ذلك ثم أمسكت بواحدة ومدت يدها بها إلي، فعلت ذلك وهي تكاد أن تنهض من مكانها لتدسها في فمي، ثم ابتسمت بصورة خارقة! مددت يدي ومست أصابعي عفوا اصابعها، شعرت بسريان تيار كهربائي عجيب راح قلبي يختض بسببه! كانت أنظار الجميع قد انصبت علي الآن، كنت أشعر بذلك وأنا اقضم بأسناني قطعة صغيرة، الله،  طيبة، بدا واضحا إن البنت فعلا ماهرة في إعداد الطعام! مدت وجهها نحوي وهي تهز رأسها هزات لطيفة، وكأنها تقول، ها، ما هو رأيك أيها الخبير الخجول، قلت لها وأنا أهرب من عينيها، ومحدقا في فمها الصغير الممتلئ:
_إنها لذيذة جدا، احببتها فعلا، سلمت يديك. ما أن نطقت بعبارتي هذه، حتى سمعت سمر أو سمرمر وهي تقول ضاحكة :
_أخيرا، صاحبك تكلم!. اختطف صديقي قطعة الكبة من بين أصابعي، وسط ضحك البنات واعتراضهن، قال وهو يمد يده الأخرى نحو أعواد النعناع :
_بمرور الأيام سنتعود على بعضنا، لقد أصبحنا مجموعة لطيفة ومميزة، ها، نسيت أخباركم بشيء، غدا سأعوضكم بوجبة غداء فخمة. قال هذا وهو يغمزني بواحدة من عينيه العشبيتين. كانت الطقس حارا، رحت اتقلب كثيرا وأنا أحاول النوم، انقلبت على ظهري، اصطدمت عيناي بمرأى النجوم المتناثرة في كبد السماء، يا الله، إن بعضها يلمع مثل عيون البطة!وضعت يدي على صدري، مكان القلب تماما، إنه يخفق بشدة! اغمضت عيني ورحت أتخيل ملامحها، العينان، الفم الحلو، الشعر الأسود المظفور، بل وحتى الإذنان!. صحوت على يد تهزني برقة، آه، طالعني وجه أمي الحبيب، قالت :
_انهض حبيبي، صاحبك ينتظرك تحت، إنه يتناول الفطور مع والدك. رحت ارمش في وجهها، قبل أن تتسع عيناي دهشة، عجيب أمر صديقي هذا، حتما ثمة ديدان تسكن في معدته! نهضت عن سريري وأنا أضحك من فكرة الديدان هذه، وقد قررت أن أخبره بها. كان يحمل بيده اكياساً عندما خرجنا، وددت أن اسأله عن محتواها، لكني سرعان ما طردت فكرة السؤال عن ذهني،فقد كان واضحا إن بها طعاما! قلت له :
_هل تناولت فطورك جيدا؟ أم إنك مازلت تشعر بالجوع!. ضحك وهو يشير بحاجبيه للأكياس، قال :
_ لقد وعدت البنات، هي مرة بالعمر! سنفطر هناك سوية. رميته بنظرة جانبية، كان يحدق في وهو يبتسم، كدت أن أقول له وفطورك مع أبي، بل وفطورك في بيتكم! كنت أعرف أنه لايبارح دارهم إلا إذا التهم نصف فطور إخوته!. ما أن وصلنا حتى باشرنا أعمالنا، لكن صديقي لم ينسى أن يخبر البنات، بأن فطورهن الصباحي موجود بحوزته على أفضل مايكون!. قبل أن يحين موعد البريك فاست مع البنات، حاولت الإفلات! حتى إني ادعيت المرض أمام صاحبي، لكن هذه الحيلة لم تنطلي عليه، برقت عينيه في وجهي، قال :
_أنا أحبك، وأنت أفضل صديق لي، ما أفعله هو لأجلك، ليس لي مصلحة مع البنات! وجدتك معجب بهذه البنت البطة فأردت تقديم خدمة لك، هذا ماتفرضه الصداقة علينا، هل فهمت؟. قال هذا ثم دفعني بصدري للخلف وانحنى ليحمل الأكياس، تنهد وهو يلتفت نحوي ثم قال بنبرة آمرة :
_والآن، إتبعني.(يتبع)

---

ليست هناك تعليقات: