#خاطرة
هل تغرب الشمس دون أن أراكِ؟
كبداية لم نكن نتوقعها...إلتقينا على متن قطار في صباح بارد....كنت جالسة وحدك بجنب النافذة..تعدلين خصلات شعرك المبللة...
كنت جالسا بالقرب منك...أتأملك..وأنت تشدين معطفك إليك...وتحدّقين من النافذة..كما لو أنك هاربة من شبح يطاردك.....نسيت نفسي ولم أمنعها في الغوص في تفاصيلك...لم أكن أعرف وقتها ما بدا مني إلا حين سمعتك تحدثيني...
_ عفوا سيدي...هل تشبهني بأحد ما...منذ إنطلاق القطار وأنت لم تزح عينك عني....
_ أشبهك...؟ اه نعم...أنت تشبهين الأحلام حين ترفرف في الأفق راقصة كالفراشات....
فرأيتك تبتسمين كما لو أنك تسمعين هلوسات مجنون....لكنني واصلت الحديث دون أن أشعر بما تتفوه به شفتاي....إلى أن استوقفني #الكنترول يسأل عن تذكرة القطار...وقبل أن ينصرف سألته إن سيتوقف هذا القطار أم لا...وكالمجنون طلبت منه لو يجعله يسير دون توقف....ففي توقفه ستسقط الأحلام وتنتهي مسرحية الرقص..وتهاجر الفرشات...وفي سيره سيبقى الربيع بكل ألوانه....هكذا كنت أقول...
لا أعرف ما شدّني إليك....سوى أنك كنت تحدّقين من النافذة كما لو أنك خائفة من شيء معين....أول سحر أسّرني هو لون عينيك العسليتين....وهما تشعان أملا ورغبة في الحياة...
بقيت أحدثك وأنت تضحكين بكل جزل دون أن تأبهِ للراكبين....وقبل أن يتوقف القطار وكطفل صغير بريء...سألتك...هل نلتقي مرة ثانية...؟
هل تتذكرين كيف أخذت من محفظة يدك هاتفك النقال ومنحتني رقمك؟.....
كانت رحلتي معك على متن القطار أشبه بمسرحية صامتة لا شخصيات فيها سوى الصور الساكنة والموسيقى الهادئة...كنت أنت الصور الساكنة وكنتُ أنا الموسيقى الهادئة....
لم نكن نسكن متباعدين...فبعد أن أصبحنا نتحدث عبر الهاتف تعرفنا إلى بعضنا أكثر...وتوطّدت العلاقة بيننا أكثر...تسكنين في المدينة وأنا أسكن في الريف...لكن عملي جعلني من أهل المدينة....لكن شيئا ما فرق بيننا فجأة...ووضع أكواما من المسافات وجعل البعد يكبر أكثر....وبقينا نتحدث عبر الهاتف في كل الأوقات بحكم أننا في عطلة لا نعرف متى تنتهي....
لم نكن نعرف أن القدر يمكنه أن يرسم لنا طريقا غير الذي رسمناه مع بعض....
لم نكن نعلم أن الورود إن هجرها الربيع ستقاوم لكنها ستذبل...كنا نحتفظ بكل شيء للغد الذي نجهل تفاصيله...
حلّ الغد ثقيلا علينا....وبدأت الدقائق تنتحر حبلى..حين وصلني خبر بأن أهل المدينة يعيشون أزمة خطيرة...دون أن أعي حجم تلك الخطورة أخذت هاتفي لأتصل بك فوجدته مغلق....
بقيت أُشكّل رقمك وأعيد...وفي كل مرة أجده مغلقا...
ركبت سيارتي متجها نحو المدينة لكن حاجزا من الدرك استوقفني ومنعني من الدخول ...ورجعت ادراجي خائبا وأسئلة خائفة تعتريني.....
ماذا حلّ بالمدينة....ماذا حلّ بالغد...يا إلهي....هل سأراها قبل غروب الشمس..؟..هل سأسمع صوتها من جديد..؟.هل اسمع ضحكاتها العفوية من جديد....أو أن غروب الشمس لا مفر منه...فمن يدري بعد الغروب ماذا يأتي...أو لا يأتي...من يدري بأن الغد سيأتي خائبا كما عدت أنا اليوم خائبا....فالبدايات نعانقها ...نسعد بها...لكننا نكره النهايات...هي فطرة فينا...نتقبّل من كل ثنائية شقّ واحد فقط....
خيّم الصّمت على المدينة وبرك عليها الحزن الأسود...وبقينا نحن في الريف ننتظر سماع الأخبار...نتابع كل صغيرة وكبيرة...دون أن نقدر على فعل شيء...فكيف أنت الآن يا سيدتي....ومن سيخبرني عنك وأنا لا أعرف سوى أنّك متمردة ثائرة......لا تنظر إلى الحياة سوى من جانب واحد هو العيش حرة سعيدة....فكيف أنت الآن يا سيدتي مع عناقيد الصمت العالقة في المدينة...كيف أنت مع كل براكين الحزن التي ضربت المدينة.....
هل سأراك قبل غروب الشمس؟...هذا ما يجعلني أتنفس عن نفسي وأشغل المكان بالسؤال......
بقلم/ سركاستي موراد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق