الفصل الثاني من قصة / هنا مات وطني ..
أركض بسرعة و أنا أتلفتُ من حولي و بين الأزقة الضيقة ، التي تحتوي على الكثير من الهياكل الفارغة و أكوام النفايات القديمة و المتسويلين الذين يسكنون في كل زاوية منها ..
وفجأة فقدت توازني من الأرهاق والتعب وهويت على وجهي وأذ بشخص يقف بمقربة من رأسي ، طويل القامة ، متخفي الملامح ، يرتدي عباءة سوداء ، تمتلأ بالكثير من بقايا تلك النفايات و الأتربة التي تملأ المكان هنا و هناك ، نظرتُ له و أنا أشعر بدوارة كبير أشرت له بيدي ليساعدني بالقيام نظر إلي و لا أعلم ما كان يخفية وراء ظهره ..
قال من أنت ..
أجبتُ قائلاً أنا المهزوم من ذلك الوطن ..
بعد أن كنتُ متيقناً بأنه بأمس الحاجة إلي ..
قال و كيف وصلت إلى هذا المكان ..
قلتُ لا أعلم شيءً سوى أني كنت خائف أجري من غير وعي يتملكني الهلع ..
قال من ماذا تخاف يا أيها المهزوم ..
قلتُ خائفا على تلك اللواتي يعيشن داخل ذلك المنفى ، الذي خرجتُ منه قبل قليل ، خائفاً عليهن و على نفسي من هؤلائك الأشرار ..
قال أتقصد المبنى الكبير ..
أجبتُ بنعم و كيف عرفت ذلك ..
و لا أعلم مالذي كان يخبئه بيده خلف ظهره حينما ضربني على رأسي عشرات المرات بصورة وحشية بالغة حتى جعل رأسي غارقاً بالدماء ، ثم ركلني بقدمة على وجهي بقوة ثم قال ، لا فائدة منكم يا أيها العنديين والسذج يامن تهون عشق الأوطان ، حينها فقدتُ الوعي من شدة تلك الضربات القاسية المتتالية التي تلقيتها من ذلك المجهول ، حيث دخلت حينها بغيبوبة لا أعرف مدتها ، كنتُ شعرت أني على غير ما يرام ، وبعد مرور الوقت أستفقت ووجدت نفسي مرمياً كدمية وسط ذلك الحوض الذي لا أعلم على ما كان في داخله أو على ماذا كان داخله حتى أنها تغمر جميع تفاصيل جسدي حتى قمة رأسي يحتوي أو ما هي المادة التي كانت تحيط بي حتى ، كانت عيناي تراقب المكان بهلعاً شديد ولا أستطيع الحراك أبداً كأنهم يخدرون جميع أعضاء جسدي ، و تلك المادة اللزجة التي تغزوا كل مسامات جلدي تشعرني بالقرف و الأختناق كل ما أوده هو مغادرة هذه الغرفة الكبيرة التي تملئها هذه الأحواض بأشباه الجثث المحنطين وقتياً ، هي مثلي لا تتكلم لا تتحرك لا تتنفس سوى عيناها تراقب كل حركة يقوم بها هولائك الأشخاص الذين يرتدون تلك البدلات البيضاء ، الذين يتحدثون بلغة غريبة لا أستطيع فهمها ولا أحد تلفظ بها أمامي مسبقاً ، كأنهم جاءُ من موطن بعيد أو أحتلوا أرضنا ذات ليلةً دون علمنا ، منذ أياماً قصيرة حينما كنتُ أحتسي قهوتي الصباحية بالقرب من المذياع سمعتُ مقدم النشرة الصباحية يحذر الشرق من غزو وأجتياح جيش غير معلوم الهوية قد يكون مجاميع من المرتزقة يحاولون تخريب بلادنا و تهجير شعوبنا و هدم تراثنا و القضاء على معتقداتنا حتى قتل أطفالنا الرضع الذين مازالوا في عمر المهد ، أفكار تأسرني و الأخرى تخيفني جداً على ما أراه من حولي و عن تلك الكابينات الصغيرة التي تمتلأ بالأزرار و الساعات الكبيرة ، هل أنا مقيد داخل هذا الحوض في أحد المختبرات للبحوث أو العلوم التجريبية أم لغسيل العقول البشرية يا ألهي مالذي يجري من حولي ، لحظة فقط ، هناك أحدهم يوصل بعض الأسلاك الكهربائية إلى جوانب رأس أحدهم و هو داخل الحوض مالذي يفعل ياترى ، لقد بدأ بتشغيل شيءً في داخل تلك الكابينة الصغيرة هل هي أسلاك كهربائية فعلاً أم أنها أسلاك لتجربة شيءً أو ربما قد تكون جهاز تصوير أو عصبي أو سونار لكشف ما بداخل محتوى الدماغ ، ها هو يرتعش كلياً هل تشاهدوه ، أنا أرى بأم عيني و هو يرتعش ثم يرتعش شيءً فشيءً ، ها هو يئن دون يتلفظ بشيء ، هو يبكي ثم يصرخ , ثم يهذي ثم يصرخ ، ثم يصرخ ثم يقول بصوت عالي ، أنا لم أفعلُ شيءً ، ثم يصرخ بشدة مجدداً ثم يقول أخرجوني من هنا ، أنا لم أقتل أحد ، أو حتى أقترب من مسرح الجريمة أبداً ، هم من أعتقلوني ليلة البارحة ، أمام الملئ بحجة القتل ، من بين أفراد عائلتي ، أمام أبي وأمي وزوجتي وأختي الصغيرة التي لم تتجاوز الحلم من العمر حينما كانت نائمة و فزعت من شدة أصواتهم المخيفة ، المسكينة لن تتحمل الموقف حينها حتى أصابها الصرع و الشلل من شدة الهلع ، و فجاه أصبح ذلك المكان يعجُ بالبكاء و الصراخ من شدة التعذيب إلى أحجية من الهدوء التام ، أعتقد بأنه فارق الحياة ، و بعد بضع دقائق قليلة ، تحول المكان إلى ساحة تعذيب جماعي ، و كان الجميع من حولي يصرخون من شدة الهلاك بتلك الأسلاك الكهربائية ، مطالبين بالتوقف و أخلاء سبيلهم بالحال ، و كان كل واحداً منهم يصرخ بتهمته الباطلة اللتي أسفرت على أعتقاله عنوة دون جرم مشهود أو حتى أدلة قانونية تجعلهم يخضعون الى هذه المأسات الكبيرة بالتعذيب الشنيع حتى الوفاة دون شهادة أو دفن جثامينهم التي يجهلون أهاليهم شيء عنها ، توفى الكثير و لم يتبقى إلا القليل منهم و حتى هذه اللحظة لم يأتي دوري و أنا أنتظر خائفاً كيف سأتحمل تلك الصواعق الكهربائية التي قضت على الكثير منهم داخل هذه الأحواض التي هي أشبه بالتوابيت الخزفية ، لم يأتي دوري ، أو التحدث معي ، وفجأة دخل أحدهم الى هذه الغرفة الكبيرة منادي عليهم هل أنجزتم المهمة ، أجاب أحدهم نعم يا سيدي ، تم القضاء عليهم و هم موتى الأن ، قال أذا أخرجوا جثثهم النتنه من هنا وألقوا بهم لليم ، حينها شكرت الرب كثيراً على مساعدتهُ لي و وعاهدته بأني سأكتب ما جرى لهولائك المظلومين الفقراء المساكين حينها ..
بقلم الكاتب / مهند كريم التميمي !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق