الخميس، 1 أبريل 2021

قصة قصيرة تحت عنوان{{باثور رئيس المخفر}} بقلم الكاتب القاصّ السوري القدير الأستاذ{{مصطفى الحاج حسين}}


  باثور رئيس المخفر … 

                              قصة : مصطفى الحاج حسين .

في صباحٍ مشمسٍ ، وبينما كان رئيسالمخفر ، ( أبو رشيد ) يجلس على كرسيه ، فوق المصطبة ، عند باب المخفر ، حيث كان يدخن ويتلهى بمراقبة القرية القريبة ،عبر منظاره الجديد
 وإذ به يلمح رجلاً قروياً يتّجه إلى العراء ، وحين ابتعد عن الأنظار ، تلفت يمنة ويسرة ، ثمّ رفع ( كلابيته ) على عجلٍ ،
قرفص ، وخلال دقيقة تناول من قربه حصوة ، مسّح بها ثمّ نهض .

         استرعى هذا المنظر ، اهتمام رئيس المخفر وفضوله ، فصرخ على الفور ينادي ( الرقيب خليل ) ،  ولمّا خرج إليه ( خليل ) ، أمره قائلاً :

– إذهب إلى هناك .. وأشار بيده صوب القرية ، ناحية
القروي ..

– أحضر ذاك البدوي بسرعة .

               امتطى( الرقيب خليل ) حصانه ، وانطلق صوب
القرية مسرعاً .

          كان الرجل القروي ، قد اقترب من قباب القرية ، حين ناداه الرقيب :

– قف .. عندك .. لا تتحرك .

          انبعثت رعشة عنيفة في أعماق القروي ، تلعثمت
كلماته :

– خير ياوجه الخير !! .. ماذا تريد ؟!

– امشِ قدامي إلى المخفر .. هيّا تحرك .

                   تضاعف الخوف في أعماق القروي ، وأراد أن
يستفسر :

– ولكن لماذا ياوجه الخير .. أنا لم أفعل شيئاً ؟! .

               صاح( الرقيب خليل ) من فوق حصانه ، الذي لم
ينقطع لهاثه ، بعد :

– تحرّك ياكلب .. قسماً سأنزل وأدوسك بحذائي .

– لكن ياسيدي …

           لم يتركه يكمل كلامه ، فقد اقترب منه ، وهوى عليه
بسوطه .. صارخاً :

– تحرّك .

           كان القروي يتعثّر بخطواته بين الفلاة ، والرقيب من
فوق حصانه ، يحثّه مرّة على العجلة ، ويسوطه مرّة أخرى .

     اقترب من رئيس المخفر ، فتطلّع الرجل إلى ( أبي رشيد ) بهلع ، بينما كانت مفاصله ترتعش .. رمقه رئيس المخفر بنظرة صارمة ، ونهض :

– الحق بي إلى مكتبي .

           حين أغلق رئيس المخفر الباب على الرجل ، المرتعد
الفرائض ، أيقن أن جريمة فظيعة ، سوف تنسب إليه .

           غير أن رئيس المخفر ، نظر إليه وابتسامة لزجة
ارتسمت تحت شاربيه :

– ما اسمك ؟ .

– أنا ياسيدي .. اسمي .. ( خميس ) أبو حسين .

– أريدك يا أبا حسين ، أن تحدّثني بصراحة .

       واندفع ( خميس ) ليقسم لرئيس المخفر ، وكان الخوف قد بلغ ذروته :

– أنا والله لم أفعل شيئاً .

       ابتسم رئيس المخفر ، أدرك أنه رجل ذو هيبة ، يخافه الجميع :

– لقد شاهدتك وأنت تقرفص ( وتفعلها ) بسرعة .

        علت الدّهشة وجه ( خميس ) همس كمن يقر بذنبه :

– نعم .. فعلتها .. لماذا أكذب ؟! .. ولكنني لم أكن أعرف
أن هذا ممنوع .

صرخ رئيس المخفر :

– اسمعني ياغبي .. لا تقاطعني .. الحكومة لا تمنع مثل هذه الأمور ، لأنها لا تعتبر من الأعمال السياسية .

        ثم استدرك محاولا شرح الموقف ، للمواطن ( خميس )
 ، الذي لم يزايله الخوف حتى الآن :

– أنت – فعلتها – بسرعة ، وأنا أمضي أكثر من ساعة في
المرحاض ، أريدك أن تساعدني حتى أستطيع أن – أعملها
– مثلك ، بعجلة .. أنت لا تعرف كم أنا أعاني وأتعذّب كلّ
يوم .

     بعد جهدٍ استطاع المدعو ( خميس ) أن يفهم مايريده منه رئيس المخفر ، ولأول مرّه يزايله خوفه ، ويتجرأ ويرسم على شفتيه اليابستين شبه ابتسامة :

– أمن أجل هذا أرسلت في طلبي ؟! .

– نعم .

– بسيطة .. ياسيادة رئيس المخفر .. القضية في غاية
السّهولة .

        وهنا استبشر رئيس المخفر ، خيراً ، فهتف بفرحة :

– كيف ؟؟؟؟؟ .. قل لي .. أرجوك .. فأنا أتعذّب .. وأضيع
معظم وقتي داخل المرحاض .

     تضاعف شعور ( خميس،) بثقته بنفسه ، فها هي الحكومة بكلّ جبروتها وعظمتها وهيبتها ، تلجأ إليه وتستشيره ، في قضية على غاية من الأهمية .. لذلك أجاب :

– أنا ياسيدي .. عندما أتضايق ، أحاول أن أؤجلها .. وكلما
تضايقت أضغط على نفسي ، حتى – أحمّصها – ، وعندها
أهرع إلى البريّة ، وخلال دقيقة أكون قد انتهيت .

         ابتسم رئيس المخفر .. شعر بالراحة والسعادة ، أخيراً سيضع حداً لهذا العذاب المضني ، وأقسم في أعماقه ، أن يكافئ ( خميس ) إن نجحت وصفته هذه :

– إذاً عليّ أن – أحمّصها – ، أليس كذلك ؟ .

– نعم سيدي .

          في اليوم التالي ، رفض رئيس المخفر أن يدخل دورة المياه ، قبل أن يغادر ببته . توجه إلى المخفر ، وهو يشعر بالضيق بعض الشيء ، لكنه سينفذ ماطلبه منه ( خميس)، – سيحمّصها – .

               وحين دخل إلى مكتبه ، استدعى كافة عناصره ،
كعادته ، ليشربوا الشاي .. لكنه سرعان مابدأ يتململ في قعدته
 فوق كرسيه ، ومع هذا كان يردد بداخله :

– ليس الآن .. عليّ أن أنتظر ، حتى – أحمّصها – ( خميس ) قال لي هذا .

               مضى كثير من الوقت ، وهو يثرثر مع عناصره ،
محاولاً كبح مؤخرته ، عن الانفجار .

      أخيراً ، شعر بمغصٍ شديد ، مغص لا يقاوم ، كأن الطّلق .. نهض عن كرسيه ، حاول أن يتجاوز كراسي عناصره بسرعة ، لكنّ صمام الأمان أفلت منه ، فها هو وقبل أن يفتح الباب يفرقع بقوة ، كانت ( ضرطته ) بقوة انفجار قنبلة .. أحسّ بالخجل الشديد ، لم يلتفت صوب عناصره ، الذين تغامزوا ، وضحكوا بعد خروجه .

    وفي الممر .. ممر المخفر الطويل ، وقبل أن يصل إلى بيت – الخلاء – حدث ما لم يكن في الحسبان ، لقد – فعلها – في بنطاله .. ياللعار .

          أقسم أنه – سيفعلها – في فم ( خميس) ، حلف أنه –
سيخصيه – ، سيدق رأسه ، سيرميه في الزنزانة ، وسيجعله عبرة لكلّ الناس .

          وبعد أن غير بذته العسكرية ، رمق عناصره بنظرات
حادة وصارمة ، أخرست ضحكاتهم المكتومة ، أمر الجميع ، باحضار المجرم ( خميس ) .

      خرجت كوكبة من رجال الشرطة ، هرعوا إلى الاسطبل الملاصق للمخفر ، امتطوا جيادهم بسرعة ، لكزوا الخيول ، فانطلقت محمحمة باتجاه القرية .

         حاصروا بيت المدعو ( خميس ) ، صاحب النصائح
الكاذبة ، المخادعة ، داهم ( الرقيب خليل ) ، وبعض العناصر ، القبّة الكببرة ، انطلقت صرخة ذعر من امرأة ، كانت تغتسل عند العتبة ، حاولت أن تستر عريها ، لكنّ ( الرقيب خليل ) الذي حاول أن يتراجع ، كان يحدّق بانشداه تام ، إلى هذا الجسد العاري المثير ، والذي تفوح منه رائحة الصابون ، وبخار الماء السّاخن ..وتحيّرت عيناه أين ستركزان النطر ، على النهدين الصاعقين ، أم على الفخذين المكتنزين .

        صاحت المرأة ، لتوقظه من دهشته ، واشتعال شهوته :

– ماذا تريدون ؟! .

زأر ( الرقيب خليل ) ، المتأجج بشهوته :

– نريد .. المجرم ( خميس ) . صاحت وهي تحمي نفسها ،
بثوبها :

– هل صار زوجي ( خميس ) مجرماً .. ماذا فعل .؟!
ثم أردفت :

– هو ليس هنا .. غير موجود .. نزل إلى حلب .

           مدّ ( الرقيب خليل ) رأسه أكثر ، ليستجلي المكان
بدقة ، وكانت نطراته تنهشان الجسد العاري ، رغم تستر
المنطقة المهمة بالنسبة له ،واستطاع رفاقه أن يدلفوا جميعهم ودفعة واحدة ، إلى القبة الطينية ، تسبقهم شهواتهم المتقدة بقوة .فصرخ ( الرقيب ) بوجه المرأة ، ليطيل الوقت أكثر :

– إذاً فعلها زوجك ( خميس ) وهرب .. ولكني سأجده ، وحق المصحف .. سأجده .. لن أتركه يفلت منّي .

        شعرت المرأة بذعر شديد .. وكانت قد نسيت ماعليها
من عريّ .. سألت :

– ماذا فعل ( خميس ) .. أخبروني ؟!.

– المجرم خدع رئيس المخفر .. وهرب .

       عندما عاد عناصر الشرطة ، بقيادة الرقيب ، إلى المخفر ، وكان قائدهم بانتظارهم مصطحبين معهم غريمه القروي ، ثار عليهم وراح يوبخهم ، لأنهم عادوا من دون ( خميس ) ، مبالغاً بغضبه، لكي يواري خجله منهم ، ولأنه لم يعد يطيق أية نظرة توجه إليه ، من أحد عناصره ، فقد عاد وأمرهم أن يخرجوا إلى الطريق ، وينصبوا كميناً ، بانتظار ( خميس ) ، وأقسم لهم بأنه سيعاقبهم إن لم يستطيعوا القبض عليه اليوم .

           حين وصل ( خميس ) مكبلاً ، مدمى الوجه ، وممزق
الجسد ، وكان هو الآخر قد – فعلها – من شدّة خوفه وهول ماتلقاه من ضرب مبرح ، حين قبضوا عليه ، بعد أن نزل من السيارة ، العائدة من حلب .

           ولمّا صرخ رئيس المخفر بوجهه الشديد الشحوب :

– أتضحك عليّ ياصعلوك ؟! .

          رد بصوت منكسر ، فيه من الخوف والرجاء الشيء
الكثير :

– ولكن ياسيدي .. أرجوك أن تدعني أشاهد البنطال .

          استغرب رئيس المخفر طلبه هذا ، لكن ( خميس )
أصرّ وكرر رجاءه .. باحضار البنطال .

       فأمر رئيس المخفر عناصره ، و على مضض منه ،باحضار البنطال فوراً .

              وحين أمسك ( خميس ) بالبنطال المبلول ، والكريه
الرائحة ، نظر إليه ملياً .. قربه منه .. تفحصه بشدة ، تشممه .. وعاود الشمّ ، ثمّ مدّ أصبعه ، وأخذ من البنطال عينة ، ورئيس المخفر وعناصره ، يراقبونه ، باندهاش وحيرة ، ثم فاجأهم ( خميس ) حين وضع أصبعه وما عليها من براز ، في فمه ، حيث لحس أصبعه ، تذوق ماكان عليها ، ثم التفت إلى رئيس المخفر ، وقال:

– أنا قلت لك ياسيدي ، أن – تحمّصها – ولكنك ياسيدي ..
أنت للأسف الشديد ، قد أحرقتها ، وهذا ليس ذنبي .

                        مصطفى الحاج حسين 

                                    حلب 

ليست هناك تعليقات: