السبت، 22 مايو 2021

قصة قصيرة تحت عنوان{{صاحب حق}} بقلم الكاتب القاصّ السوري القدير الأستاذ{{مصطفى الحاج حسين}}


/// صاحب حق ..

                          قصة : مصطفى الحاج حسين .

         زارني بصحبة ( عمر ) مرات متتالية ، حاول أن يتقرب مني ، دفع عني في المقهى ، امتدح كتاباتي ، تغزل بشكلي ، قدم لي العديد من لفافاته ، ومع ذلك لم أزره ، رغم دعواته الحارة والمستمرة .

         عانيت كثيرا حتى حفظت أسمه ، أطلعت ( عمر ) على حقيقة موقفي منه ، فعارضني وأكد بأن ( صهيب ) إنسان طيب ، فهو رفيق طفولته ، وصفته بثقل الدم ، خالفني( عمر )  بشدة ، قلت في حزم :

ـ إنه لم يرق لي .

        اتهمني ( عمر ) بالتكبر ، تساءلت عن سبب نفوري منه ، لم أعثر على جواب .. قال ( عمر) :

ـ هل تعلم .. هناك تشابه بينكما ؟!.. وضحك .
طار صوابي ، قلت منزعجا :

ـ لو تأكدت من أنه يشبهني ، لانتحرت .
ضحك ، وعاد ليتهمني بالغرور .

       (( لست مغرورا ، بدليل أني أصادق من هم أدنى مستوى من ـ صهيب ـ )) .

        اتهمت نفسي بالغيرة منه ، فهو يقاسمني صداقة ( عمر )  لكن ( عمر )  يملك أصدقاء عديدين غيره ، فلماذا أكره صهيب وحده ؟!.

          كنت أهتاج من لطفه معي ، من إبتسامته كلما التقت نظراتنا ، وأكثر ما كان يغيظني اعتناقه لمبدئي ،وإعجابه بكل ما يعجبني ، وصلت إلى رأي قاطع :

ـ ( صهيب )  ، مجامل ومتملق .
لم يوافق ( عمر )  بالطبع .

               قررت أن أتحاشاه ، لذلك طلبت من ( عمر ) أن لا يزورني برفقته ، وأن لا يصطحبه إلى المقهى .

      اشتعلت حنقا حين اكتشفت أن لقاءاتي ( بعمر ) قد تباعدت ، فأدركت أنه يفضله عليّ ، وأنا أحب ( عمر ) ولا أستغني عنه ، عزمت على معاتبته ، لكنه عند لقائنا ، رفع إصبعه بوجهي :

ـ أنت السبب يا ( محمود ) . هتفت مستغربا :

ـ أنا ...؟؟؟!!!

ـ ألم تطلب إبعاد ( صهيب ) عنك ؟ .

ـ لكني لم أقل إبتعد أنت معه . رد بصوت حاسم :

ـ ( صهيب ) أيضا صديقي .

          تضاعف كرهي له ، فكرت أن أضع ( عمر ) بين خيارين
 لكني تراجعت ، خشيت من ردة فعله ، فماذا لو أنه اختار ( صهيب ) .

قلت بتودد :

ـ عندما تعارفنا .. لم يكن ( صهيب ) بيننا . قاطعني :

ـ أنت تعرف أنه كان مسافرا .

        تجاهلت حنيني (  لعمر ) ، حاولت أن أنصرف إلى غيره من الأصدقاء .

      إسبوع مضى وأنا أرقب طلّته على المقهى ، أنتظر قدومه
 إلى بيتي ، وعندما تمددت فوق سريري وجدتني أفكر بزيارته 

       صدمت بوجود ( صهيب ) ، الذي رحب بي بفتور ،تأكدت
 أن ( عمر )  قد أطلعه على حقيقة موقفي منه ، فأرجأت عتبي . لم أكن مرتاحا لتغير موقف ( صهيب ) مني ، فسألته عن أحواله وأخباره ، ولأول مرة طلبت منه أن يلاعبني الشطرنج .

              أحسست بسعادة غامرة ، حين وجدته يعود إلى عفويته معي ، ويعاملني كما كان في السابق .

     تعمدت إنهاء السهرة ، لحظة أراد ( صهيب ) وداعنا ، خرجت برفقته ، سرنا طويلا ، تحدثنا ، وعند بيته دعاني للدخول ، قلت :

ـ رغم تأخر الوقت ، سأدخل وأشرب القهوة عندك .

             احتفى بي لدرجة أني خجلت من نفسي ، أحسست نحوه ببعض المودة والإحترام ، قدم لي ابنته البكر ، قبلتها ..
وداعبتها قليلا ، ثم عرفني على زوجته ، رحبت بي ، وطلبت أن تتعرف إلى زوجتي ، لأن زوجة ( عمر ) حدثتها عنها كثيرا 

وقبل أن أنصرف ، اتفقنا على موعد لزيارة عائلية .

      نشبت صداقة قوية ، بين زوجتي وزوجته ، نجتمع نحن الثلاثة ، في غرفة ، بينما تجتمع زوجاتنا ، في غرفة أخرى .

             خلسة ، أخذ ( عمر ) يعلق ويطلق نكاته ، يذكرني بمواقفي السابقة ، من ( صهيب ) ، قلت ضاحكا :

ـ سبحان مغير الأحوال .

           بعد فترة برزت أمامي مشكلة ، زوجتي الحامل ، تحتاج إلى عملية قيصرية ، أسعفتها ، واتّصلت ( بصهيب ) ، سعدت كثيرا إذ وجدته يهرع لنجدتي ، قائلا :

ـ اطلب من النقود ما تشاء .

              كنت مسرورا لتجاوز الأزمة ، بمعونة ( صهيب ) ، فقضيت سحابة يومي في بيتي ، ومخيلتي ترسم لي سعادة وردية ، بقدوم طفلنا الرضيع ، غفوت على عطرها ، بعد يوم شاق .

          كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة والنصف ، عندما تنبهت إلى صراخ زوجتي :

ـ ( محمود ) .. انهض ، هناك من يطرق الباب .

             قمت بتثاقل ، كان ( صهيب )  واقفا ، يحدق إليّ ، اعتقدت أنه جاء بغية الإطمئنان ، على وضع ربة بيتي ، شعرت نحوه بالإمتنان .. واعتراني ندم شديد على مواقفي السابقة منه ، افترت شفتايّ عن إبتسامة ، لم تكد لتستقر ، حتى استلّتها عبارته الصارخة :

ـ أهكذا زوجتك يا ( محمود ) ؟!.. تدخل بيتنا لتسيء إليه .!

شدهني كلامه هذا ، جمدني ، طير النوم من عينيّ :

ـ خير إن شاء الله !!!.. مابها زوجتي ؟!؟! .

رد بانزعاج :

ـ تصف زوجتي بالبرودة ، وثقل الدم !!!.

اغتصبت إبتسامة باهتة ، عساني أعيده إلى توازنه :

ـ من قال لكم .. هذا الكلام الفارغ ؟!؟!.

أجاب .. وكله يرتعش :

ـ ( صباح ) .. زوجة ( عمر ) .

همست معاتبا :

ـ أجئتني الآن .. من أجل هذا القول التافه ؟!.

صاح كمن فقد رشده :

ـ أنا أريد نقودي ... لأنكم تتنكرون للمعروف .

دارت بي الأرض ، دلق إبريق من الماء المثلج على ظهري ، قلت وحنجرتي تكاد تنفجر :

ـ حاضر يا ( صهيب ) .. غدا أدبر لك المبلغ .

صرخ وكأن عقربا لدغته :

ـ أنا لست مستعدا للإنتظار ، طالما زوجتك تكلمت عن ( غادة ) .

فار الدم في عروقي ، تذكرت نفوري منه ، الآن فقط عرفت السبب ، احتقرت نفسي ، لأني رضخت ( لعمر ) ، ووطدت علاقتي به ، حقدت على ظروفي التي جعلتني احتاجه :

ـ هل أقرضتني النقود ، حتى تذلني ؟!.

زعق بوجهي ، وكأنه يريد أن يوقظ سكان الحارة :

ـ أنا منذ البداية ، قلت ( لعمر ) ، إنك لا تصلح لي صديقا .

قهقهت أعماقي المتخمة بالقرف ، شعرت بازدراء نحوه ، هتفت :

ـ الحمد لله إنها جاءت منك .. غدا أبعث لك نقودك .

دس يده في جيب سترته ، أخرج ورقة :

ـ اذاَ ... وقع لي على هذا الإيصال .

امتدت يدي الراعشة ... وبدل أن تطال الورقة ، طالت خَدّهُ .

                        مصطفى الحاج حسين .

                                    حلب 

ليست هناك تعليقات: