يافا والدُمية
كم هو جميلٌ ذلكَ الشعورُ الذي انتابَ تلكَ الطفلةَ ، وأَنا ألَمحها بعينيَ من خلفِ زُجاجِ الحافلةِ ، عندما استوقفت والدها ليشتريَ لها تلكَ الدُمية ، انهمكت الطفلةُ باحتضانِ دُميتها فيما كان الأبُ يُعطي صاحبَ البَسطةِ ثمنَ الدميةِ ، أمسَكَ بيدها والطفلةُ حريصةٌ كل الحرصِ على دُميتها الجديدةِ ، ورأَيتهم يتوجهونَ نحونا صَعِدوا درجَ الحافلةِ ، والطفلةُ تتباهى بوالِدِها الذي أَحضرَ لها الدميةَ التي تُحبْ ، جَالَ الوالدُ بِعينيهِ ، ولم يجد سِوى مقعدٍ واحدٍ بجانبي ، فأَجلسَ صغيرتهُ عليهِ وظلَّ واقفاً ، سائِقُ الحافلةِ أَدارَ المحركَ وانطلقَ بنا ، أَصبحتِ الطفلةُ قريبةً مني ، كم هي جميلة !! وتلكَ الضفائرِ الشقراءُ المنسدلةِ بمهارةٍ على كَتفيها أعطتها رونقاً خاصاً بطفولتها ، سمحتُ لنفسي أَن أُحاكيها فسألتها عن اسمها : فأَجابت دونَ خجلٍ أو رهبةٍ كما حالُ الكثيرِ من الأَطفالِ : اسمي يافا ، زاد إعجابي بها ، سبحانَ الخالقِ فمن اسمها لها نصيبٌ ، زُرقةِ عينيها كبحرِ يافا وجمالُ ملامحها كجمالِ يافا ، قلتُ لها:ما أجملَ هذه الدميةِ ! فقالت :الآن اشتريتها ...كم أحببتها ، سألعبُ معها ابتداءً من اليوم ولن أُمزقها ، فقلتُ لها ستفرحُ أُمكَ بها كثيراً لإنها جميلةً مثلكِ ، نفرت من عينيها قطراتٌ من الدموعِ بللت وجنتيها ، كان الأَبُ ينظرُ إلينا بخجلٍ ، ورأيتهُ يكتمُ أنفاسهُ ، احتضنتها وسأَلتُها : ما بكِ يا يافا ؟ فقالت : أنا لا أباً لي ولا أمٌ لقد ماتوا في البحرِ وأنا صغيرةٌ ، وهذا خالي الذي بقيَ لي من رائحةِ أُمي ، نظرت الطفلةُ إليهِ وقالت : لكنني أحبهُ كما لو كان أبي ، وأشعرُ بحنانهِ الذي لم أَشعر به مع أمي ، فأنا أرى أمي في عينيهِ ، هو كُل ما بقي لي ، إن اسمي يحمل حُباً ووجعاً ، فأُمي غَرِقت في بحرِ يافا بعد عام من إنجابها لي ، وكانت تعشقُ هذا الاسمَ منذ صِغرها ، فَغافلتُها وقلتُ لها: وهي الآنَ تراكِ ، وترى هذه الدميةَ الجميلةَ وفرحةٌ لأجلكِ ، تبددت دُموعُ يافا الصغيرة ، وزرعت مكانها ضِحكةً بريئةً تملأُ الأُفقَ دفئاً ، توقفت الحافلةُ ونزلت يافا مع خالَها ، ثم استدارت إِليَّ قائلةً : ما اسمك؟ قلتُ لها : فلسطين ، فقالت هل أُمكِ ماتت في فِلسطين ؟؟؟ أَمسكتْ يافا بيدِ خالِها ولوحت إليَّ بيدها الصغيرةِ الأناملِ ، لكنها لم تعلمُ أيَ جُرحٍ عميقٍ فتحت ليَ بسؤالها ، وهل من دميةٍ تُنسيني وجعَ الجُرحِ كما فعلَ خالَكِ يا يافا بِشرائِه الدمية؟؟؟؟..
بقلم::::حلا لافي
فلسطين 🥰 الخليل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق