فُرصةٌ و لكنْ ... !
تململتْ في المكان و راحتْ عيونُها تنهبُ الدقائقَ ، تحاولُ أن تصفَ ليلها البغيضَ ، و بكلمة مُختصرةٍ ردَّتْ أملُ :
كم مرةٍ قلتُ لكِ : لو أنَّ هناكَ رجلاً في حياتكِ لما شعرتِ بهذه الوحدةِ ؟
كانتْ كلماتُها كخنجر تغزو القلبَ ، و هي التي وضعتْ يدَها في موضوع زواجها ، و كانتْ وساطة خير .
شرُدَتْ سلمى و راحتْ تقلبُ الأمرَ ، فما زالَ طلبُ علي معلقاً ،
غادرتِ المكانَ ، و في رأسها ألفُ سؤال و سؤال ، هل حقاً وجودُ رجل يُلغي كلَّ تلكَ المصاعب ؟ هل الوقتُ بدأ يكشِّرُ عن أنيابه و يظهرُ لها ما كانَ خافياً ؟
ركضتْ إلى المطبخ و أعدّتْ فنجان قهوة ، و رتَّبتْ جلستَها ، لا تعرفُ لماذا في هذه الساعة رجعتْ ذاكرتُها للوراء ، أمل زميلتُها في الصف ، الطالبةُ الفوضويةُ في كلّ شيءٍ حتى شعرِها الأجعدِ ، كم مرةٍ تمنتْ لو أمسكتْ بمشط و أسبلتْهُ ، أما ثيابُها فحدِّثْ بلا حرجٍ ، الألوانُ قوسُ قزح لا لونَ يناسبُ لوناً ، حديثُها الذي يصلُ لمسامع الناس في الشارع ، ها هي أمل الآنَ .. تذكرها بشيءٍ قد نسيتْهُ مع الوقت ، أمل التي كانتْ فاقدةً لفرصة وحيدة في الزواج ، جاءتْها على طبق من الذهبِ ، أحمد ابنُ عمِّي الذي لمَّا كنتُ أراهُ ذلك الشابُ الذي يمكنُ أن تتنافسَ عليه صديقاتي ، و لكن أملَ ببساطتها استطاعتْ أن تأسرَ قلبه الذي عاصرَ الكثيرات في بلادِ الغربة ، و جاءَ أخيراً ليستقرَّ في وطنهِ .
حدَّثَتْ نفسَها ، ما به علي ؟ شخصٌ فيه كلُّ المواصفات التي تطمحُ إليها الأنثى ، فهوَ مهندس ، ليسَ كبيراً في العمر ، وسيمٌ ، أرمل ، له طفلتان .
هنا.. دمعتْ عيناها، و قالتْ :
هل يُعقلُ أن أكونَ زوجة أب ، و أنا التي رفضتُ مشاريعَ كثيرةً من أجل هذه الكلمة ؟
هل الوقتُ فاتَ و بدأت الحساباتُ تنزلُ رُويداً رُويداً ؟
تبّاً للوقت الذي يحكمُ كل مصائرِنا ، نظرتْ للفنجان فأمسكته ، كانَ بارداً كقلبٍ ماتَ نبضُه منذُ زمن ، مالتْ كلُّ الموازين التي استندتْ عليها يوماً ما ، و ها هو الزمن يُلقي بها وحيدةً ، بينَ كومة من الأفكار .
الآنَ عرفتِ الزواجَ حظَّاً أو كما يقولونَ قسمةً ونصيباً ، شكرتِ اللّٰهَ تعالى على كل حال ، و أسلمتْ أمرَها اليه، ومن خلال عملها الوظيفي كانَ يُراقبُها زميلٌ لها، وينصت إلى كلامها و لا يتدخَّلُ ، أُعجِبَ بها ، إلَّا أنَّهُ يُصعَبُ عليه البوحُ بما يحمله من حبٍّ لها ، حتى حانتْ فرصةُ حفل جماعي بإحالة أحدِ الموظفين إلى التقاعد ، كانتِ الفرصةُ مؤاتيةً ، اقتربَ منها بتودُّدٍ ، لاطفَها بكلام معسولٍ ، انتبهتْ له ، راجعتْ نفسَها ، وضعتْ أصبعَها على صدغها ، تكلمَتْ في داخلها ، هل الرجلُ له رغبةٌ بي ، و لماذا أنا ؟ تساءلتْ مُسبتعدةً الفكرةَ ، و إلى متى هذا الغُرورُ ؟ لِأبادلْهُ الاهتمامَ ، أقلُّهُ أن أبتسمَ في وجهه ، صحيحٌ أنه كبيرٌ و أنا كبرتُ أيضاً ، و لِمَ لا يكونُ من نصيبي ، انتهى الحفلُ و لم تكلِّمه، راحتْ تفكِّرُ فيه مليَّاً ، في اليوم الثاني تقدمتْ صديقتُها المقربةُ لها، بأخذ مُوافقتِها لزواجها من الموظفِ الذي كانَ معهم في الاحتفال ، هو منفصلٌ عن زوجته ، ولديه طفلٌ إلا أن الطفلَ في حضانة أمه ، أطرقتْ رأسَها، و أيضا متزوجٌ ولديه طفلٌ ... ؟! لِأوافقْ حتى لا أندمَ ، وافقتْ على مضضٍ ، طارَ هو فرحاً، تمَّتِ الخطوبةُ على خير بحضور أهل الطرفَين ، تمَّ تحديدُ يوم الزفاف ، جهزتْ كلَّ شيءٍ ، دخلتْ إلى دائرتها بكلِّ زهوٍّ ، كانَ الجميعُ ينظرُ إليها بوجوم ، ما بكم ... ؟! الجميعُِ ينظرُ إليَّ ، احتضنتْها صديقتُها وأخذتْها لتجلسَها في الدائرة ، وهي تُصبِّرها وتقولُ لها : إن خطيبَها قُتِلَ أثناءَ هجوم العصاباتِ الإجراميةِ على المدينة ليلةَ البارحة ..
✍️ سُميَّة جُمعة - سُوريةُ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق