الأربعاء، 17 أغسطس 2022

قصة قصيرة تحت عنوان{{آخر رسالة}} بقلم الكاتبة القاصّة التونسية القديرة الأستاذة {{رفيعة الخزناجي}}


 آخر رسالة 


فتحت ذلك الصندوق الصغير ، وأخرجت منه رسالة بيد ترتجف كما غصن شجرة في مهب الريح ، استنشقتها بعمق شديد ، قبلتها بكل حب ، ضمتها لصدرها كما تضم الأم طفلها الرضيع بكل حنان وعطف ومحبة ، وضعتها أمامها على الطاولة وبقيت تمعن النظر فيها .... بعد وقت وضعت نظارتها وتناولت الرسالة ببطء شديد .... فتحتها بكل عناية  ورفق ، ألقت بصرها على تلك السطور الباهتة المرسومة على تلك الورقة الصفراء ، تابعت النظر وأمعنت في كل حرف ، تنهدت تنهيدة سمعها من كان خارج الغرفة ، سالت دمعة من عينيها وقعت على خدها ، أحرقت وجهها ، مسحتها بيدها ، وهامت  بعيدا بعيدا ... كان هو سندها الوحيد ، هو الحبيب والصديق ، الأب والأخ ، هو الإبن الذي تمنت أن تنجبه  هو المعلم والطبيب والراعي الوحيد لها ، هو النفس الذي تتنفسه ، هو حياتها ، هو هي بكل اختصار .... هكذا هي تراه وتحس به وتؤمن بكل حرف يقوله كما إيمانها بكلام الله ، لا شيء يصدر منه يزعجها ، ولا كلام يقوله يؤلمها أو يجرحها وكأنها أصيبت بتعويذة سحر قوية ويستحيل مسحها واتلافها ، عاشت على أمل لم يتحقق ولن يتحقق ، كان يكتب إليها كل أسبوع رسالة ، فيها من الشوق والحنين والحب والهيام ما يجعلها تتجمل بالصبر وترتدي ثوبه بكل حب ، وتواصل الإنتظار ، انتظار مقدمه بسلام ليتم ما تتمناه وما تعاهدا عليه ... مرت الأيام ... الأشهر .... سنين ، وذا يوم وصلتها رسالة منه ، حين تلقتها ، شعرت بضيق في الصدر وغصة في الحلق وانتابتها نزعة من الحزن قبل فتحها ؛ لعنت الشيطان وبسملت وفتحت الرسالة ، قرأتها ، ويا ليتها ما قرأتها ...
" عزيزتي (....) أسعد الله أوقاتك 
أما بعد ، يؤلمني وجدا أن أخبرك بقراري هذا ، ربما تأخرت في أخذه ولكن ... لا نصيب يجمعنا ، فأنا تزوجت منذ سنوات  وبقيت معك على عهدي أراسلك وأراعي مشاعرك واحاسيسك ، ربما ارتكبت بذلك خطأ شنيعا ولكن كان قصدي أن تشعري وتتمتعي بلذة حبنا الذي ولد بينا ولم يكبر عندي ، لقد مات من زمان لكن ترعرع وأينع عندك فلم أشأ أن أنتزعه منك ... لكن مؤخرا ، تفطنت زوجتي لرسالة كتبتها لك ولم أرسلها وجنت و.... لذا قررت أن أنهي هذه المسرحية وأسأل الستار ... 
لا تنزعجي ولا تيأسي وكوني قوية ... تحياتي 
فلان "
ومن يومها ، وهي بذلك الكرسي اللعين ، لا يتكلم ولا تمشي ؛ وما بين الفترة والأخرى تفتح الرسالة  الملعونة وتذرف الدموع .... ثم تعيدها مكانها 
ترى إلى متى ستتحمل هذا الوجع وما ذنبها إن هي أحبت ؟ لما كل هذه القسوة ؟ لما التلاعب بقلوب الآخرين ؟ لما تلبسون الأقنعة ؟ لما تتخفوا وراءها ؟ لماذا تتلذذون بآلام الآخرين ؟ ما الغاية من ذلك ؟ 
ما الهدف من تدمير قلب وروح أحبتك ؟ 
ليتكم تدركون أن الحب كلمة بسيطة لكنها ثرية وقوية وعميقة ، فلا تتلاعبون بها واعطوها حقها وقيمتها !

رفيعة الخزناجي 
تونس 
#هلوساتي

ليست هناك تعليقات: