الخميس، 3 نوفمبر 2022

نص نثري تحت عنوان{{عناوين يومين}} بقلم الكاتب التونسي القدير الأستاذ{{حاتم بوبكر}}


 عناوين يومين


سمعا و طاعة

أعلم جيّدا أنّني لست عالم نفس
أني لا أفهم في الاقتصاد
وأدرك جيدا أني لا أطيق الحروف الربوية
و لا أربي الحروف 
...
أنا قلب يحسن الإنصات إلى صوت خمور
من أدنان قلب عصي تنزل
طوفان أنا عاصف الحبّ والكراهية
علم مواقيت السّفر والعودة
تعلم أسرار العود الأبدي 
قالبا القلب رأسا على عقب
كذاك المهرج الماشي على الحبل
...
تعلم حفظ الأطلال
واحترم عهود مواثيقها
حين يعود يغيض الماء
يقول للورق: دثّر حروفك 
لا تُجاوز كحل الأرض الخضراء
كن أنت سفينة نوح
وٱنج بنفسك
...
انا هرم..
ودِّع أنت أو لا تودّع جنود َهرِم وامض
هو لا يتزحزح من مكانه
لا يبتسم، لا يتكلم
أطبقت الأرض على حجره
سكن قلبه وجفّ نبضه
لن يراود إلاّ أرضه

2

في رحلي الكثير
أملأ صواعا تلو الصواع
أجود به على الوجود
مُقبلا على أنفاسه المُؤكسدة
على حروف المعنى المعوجّة
أطهّر روحه وأنقّيها
أصنع للمعنى ضمّادات 
أصنع الأركاح للأفراح
...
أرسم بأفكاري سحابا 
يجوب أوطاني
غيثه عجينة حبّ وجمال
ومواقيت معصمي أحلام أطفالي
بساتين الزعفران والأقحوان
إحساسي من فصيلة البراكين
و في رحل حروفي الكثير
خليط من زاد أوطاني و زوّاد أحباب
أنا لست على الحاشية بل في قلب اللجة
أحاذر، لا أريد أن اكون عنوانا
ولا سطر خاتمة
انا في مستودع الألم 
 فلاح يهيّج هتافات البراعم
كي ترقص وتغنّي في المطر
حتّى يثور التراب وتثب الزهور فوق الأرض
جميلات ، فائحات، فاتنات
مبثوثات منشورات
3

أحتاج إلى مسارات الظلام لأحيا
إلى القلق لأمضي
ليحيا الحرف ويمضي 
ذاك الفيض سيّدي لا تحييه الحياة
...
يزعم أنه طوفان
وأن جنوده الثماني والعشرين تقلقه
سأغسل ذاكرتي وأمضي 
من تلك الليلة 
سأنسى ذاك السؤال
سأغير عنوان روايتي رغم عنادي
سأجعل العنوان ساعة الميلاد الجديد
هي ساعة كتابة القصيد
إلى دياري سأعود 
مغتسلا من أيام النور
فأنا أحمل ظلمة الأوطان
أصنع لها قناديلا بحرية 
لا أموّل بنوك النساء
ولا ثمن فساتين حروفهم
ولا اندفاعات عواطفهم
لي إمرأة واحدة بالانتساب
حلمي خط سطرا من إثمدها على وجهي
لا حيلة للتمرّغ في كحلها
عدا قلبي الذي أهديته لها
مذ فجر قرن مضى

4

يعلم الحكيم أنه لا يحسن علم الحساب
و أنّه غير ماهر في المقايضة
أنّ سرّ الحكاية قديم
 وأن جدّه الأول كان ناظرا إلى السماء
حافيا لا يبرع في التنمّق
و أنه كان يتلقى سخرية النساء
من نظره المعلّق إلى الفضاء
درى الحكيم أن العاطفة لا تقايض
ما تدره الحروف ليس للمساومة
وحتى لو غُرّر ووضع حذو المآدب الفاخرة
فإن نفسه تتقيّأ الفجور
بلاهة وتفاهة القصور
ربّما شاكلت نفسه نفس سليمان
حين ضحّى بالصافنات الجياد
لأجل عفّة في نفسه وكرامة
هو روح خارج المساءات
فهم ثنائية الفناء والبقاء
أن حروفه حرّة حتى وإن ظلت حبيسة
هو ليس كغيره من الكتاب والشعراء
رهانه الحرية والحب والسلام
دون مقايضة وتدخّل علم الحساب

5
أخبرتك قبل صديقي لا أبيع حروفي
وأعلمك أني لا أربي الحروف
لا أرضى أن تربى حروفي 
 أن تنموا دلالتها في طريق ربوي
لا تربطها بالروح سوى الرغبة في الكتابة
أنا أيقظت شعلاتي و دوما تجود بالدفء
لا تحتاج إلى وقود
تشتعل حتّى في البرد
...
أعلمتك أنهم عشقوا الحروف
أنت مثلهم
عشقت يمّ الطوفان 
وأنا 
لست من مشاة الطريق
لا أبحث عن غانيات حروف 
وقفت على الحواشي
أثرها أكثر من أن "يكون له أثر"
عقل أنا لم تعرف دثاره 
رغم علم النفس عصية الحروف عن العلم 
وأنت لا تدرك خطاب الروح
كم مرة التقت الحروف بالحروف وما....
ما ثارت
لم تكن تبحث عن سعادة في الطريق
ما اهتزت
لم تكن زينة الطريق تستهويها
ولا جحافل نساء على قارعة الطريق
كانت من الروح إلى الروح
...
أنت تريد أن تزرع دواوينك بحروفي
بطلع زيتوني الساحلي 
أعلم أنه في أرضكم ينعدم
خذها فهي لك
أسلمها صدقة لا هدية 
فلا تأكلها
فينبت لك قصيدا من صدقة
محتاج ، غريب النفس جواد 
في الخفاء أنا يتبعني بضعا
أنت في العلن ويتبعك بضع آلاف
إني رحلت فأسمالي لا تليق
تحرجك أمام زوارك
وقد تجرح أنفاسك فتخرج نكدة
...
أنا لا أبحث في الطريق
ولا في ممشى العابرين
ولست قناص حروف 
روحا أنا...
أنا تفقه أن دثارها السّماء.

حاتم بوبكر
تونس

ليست هناك تعليقات: