"المستنقع"
قصة مسلسلة
بقلم:
تيسيرمغاصبه
-١٠-
الغرق
طال صمت كمال بينما عادل يتأمل تقاسيم وجهه فيستطيع قراءتها،
فبدا كما وأنه قرأه قراءة كاملة، مفصلة.
وجهه الشاحب ..قوته البدنية ..فحولته،وتشتته العاطفي.
إقترب ذلك الفتى الداهية منه كما وأنه سيهمس بأذنه ..لفحته أنفاسه..لم يكن من من يمارسون عادة التدخين السيئة، وكان ذلك شيئا غريبا في مكان كهذا.
قال بأسلوبه وقدرته الرهيبة على التأثير:
-إلى متى ياصديقي ستبقى في سجنك المظلم ..نحن لنا أعمار إفتراضية وحتما ستنتهي..ستنتهي سريعا ودون أن نشعر ..أما بشأن الذنوب فأن الله غفور رحيم؟
- بلا شك أنت تقول الصدق.
إقترب منه أكثر ..لامست بشرته الناعمة وجهه ..قبله على وجنته بحيث جعل قبلته تلامس طرفي شفتيه بشكل متعمد لتكون حافزا بينما أنفاسه الساخنة تلهب وجنته.فهو بلا شك واثق كل الثقة مما يمتلك .
وقال متابعا:
-تأكد أني لاأمنحك سوى الطيبات ..لا الخبائث ياعزيزي..أضرب الدنيا بحذائك القديم..ستصل الفتاة بعد قليل لتمنحك لحظة سعادة..وبالطبع أنت لست يوسف ..لكن إما أن تمنح لحظات لذة ..وإما أن تعيش في ظلام السجون..إلى أمد بعيد لأنها حتما إن أنت رفضتها "وتكون بذلك قد رفضت النعمة" ستشكوك وتدعي عليك كما إدعت على غيرك ..و..؟
-...................
-أنت لم تحتمل وقوقفك في مركز الشرطة لدقائق فما بالك بظلام السجن ؟
-..................
نهض عادل ،وابتسم بخبث وقال:
-أراك في الغد ياصديقي ؟
بقي كمال على مقعده نصف ساعة وهو يحاول أن يجد معنى لمشاعره المشتتة ، لكن دون جدوى ..لقد بات عاجزا حتى عن التفكير ،
أفزعه صوت رنين هاتفه الذي كان ملقى فوق سريره ..رفعه من فوق السريره ..شعر بالقلق كعادته عندما يرى رقما غريبا يطلبه ،لكن خدمة الهواتف الحديثة قد أظهرت له هذه المرة أسم المتصل "أميمه" عرف بسرعة أن المتصلة هي،جارته،
وكمال منذ تلك الحادثة ..الأولى في حياته، لم يعد يمر من ذلك الشارع حتى لايرينه النساء من النوافذ وعلى الأخص تلك المرأة، فكان يقفز من فوق السور من الجهة الخلفية.
أمسك هاتفه بتردد ..فتح الخط ..كان صوت جارته المتسلطة..البدينة ،القبيحة؛ دون تفكير أقفل الخط،يعلو صوت الرنين من جديد ،يفصله مرة أخرى ثم يغلقه نهائيا
وهو يقول في نفسه "ليت عادل هنا ليخبرني ماذا أفعل في حالة كتلك ..ليته تأخر قليلا"
وتتشتت أفكاره أكثر وأكثر .."ياترى هل أنا الآن قويا ..أم ضعيفا .."
حاول أن يقنع نفسه بأنه قويا .. نهض.. أعد مائدة الفاكهة والحلوى والعصير والمكسرات..إنبعثت إلى أنفه رائحة العطر الجميلة ..المثيرة ..وظهرت أمامه ..ظهرت دون أن يسمع أي صوت لخطواتها ..ظهرت كما يحدث في الأحلام ..فتاة على قدر كبير من الجمال ..فتاة تبدو أصغر من عمرها بكثير ..لايمكن وصفها بفتاة ليل ،
كانت تبدو كمراهقة.."ماذا فعل بنا الزمن!!"
لقد كان يعتقد بأنها أكبر من ذلك بكثير،
ضحكت ضحكة واسعة، مثيرة ،كاشفة عن صف اللؤلؤ عندما رأت الفاكهة والحلوى والمكسرات ،ورائحة الكالونيا المنبعثة من كمال بينما كان ينظر إليها نظرات رضا ،وكان ينظر إليها مبتسما ،مرحبا بها.
* * * * * * * * * * * *
أفاق كمال في الصباح الباكر غير مصدقا ماحدث معه في تلك الليلة؛أو على الأصح ماذا فعل وهو الإنسان الذي عاش عفيفا طوال السنوات الماضية من عمره ،
كان سيفسر ذلك بأنه مجرد حلما لولا الرائحة الأنثوية التي لازالت عالقة به ومنتشرة في غرفته الضيقة.
قام بفتح النوافذ ..أشعل عود بخور ليغير رائحة غرفته تحسبا فيما لو دخل إليه أحد بالصدفة ..دخل إلى الحمام ..أخذ حماما ساخنا .
بعد إنتهاء الإذاعة المدرسية الصباحية توجه إلى الإدارة ..ألقى التحية على المدير الذي طلب منه وبشكل رسمي دون أن يلتفت إليه بأن يذهب إلى السكرتير ليسلمه مهامه النهارية.
قبل أن يصل إلى البوفيه ليجلس مع زملائه الجدد سمع صوت جلبة في الممر ،كان أحد المعلمين يسب ويلعن وقد نزف الدم من أنفه ،علم بسرعة أن المعلم قد تعرض للضرب من قبل أحد الطلاب المشاغبين.
ضحك الزملاء وقال أحدهم:
-لم تر شيئا بعد ياكمال هههههه أدخل ..أدخل؟
-كيف حدث ذلك.
رد أحدهم:
-يحدث دائما؟
وقال آخر:
-هههههههه هنا "شوربه"؟
وآخر قال:
-هههههههه هذه ليست مدرسة بل إصلاحية؟
ماأن جلس ليشرب كاسة الشاي حتى قرع جرس السكرتير وذهب أحد الزملاء ليرد ،لحظات وعاد ثم قال لكمال:
-أنه يطلبك أنت بالذات؟
نهض كمال وتوجه إلى غرفة السكرتير، استأذن ودخل ،كان السكرتير بدينا جدا ويتكلم بطريقة الثعلب النائم ..عين مفتحة والأخرى مغمضة،
قدم له ورقة وقال له:
-خذ ..هذه الورقة وهي عبارة عن بلاغ رسمي صادر من الوزارة للمعلمين ..عليك القيام بتوقيعه من جميع المعلمين بعد أن يقرأونه ..لاتنسى أحدا ،وهذا جيد لك حتى تتعرف على المعلمين بسرعة؟
كان كمال في قرارة نفسه لا يرغب بالتعرف على المعلمين لأنه لم يرتح لأي منهم.
أخذ كمال البلاغ وعاد إلى زملائه للإستفسار عن تلك المهمة ،أخبره أحدهم بأن أرقام وأسماء الصفوف ومستوياتها غير موجودة كلافتات على الجدران لأن الطلاب قد نزعوها من مكانها ،أنه مضطر في تلك الحالة إلى دخول جميع الغرف ،وبعد ذلك يحفظها حفظا،ولأن كمال لايمتلك موهبة الحفظ فتلك ستكون مهمة صعبة جدا لأنه سيرى جميع المعلمين أمام طلابهم وهذا سيزيد من وقاحة المعلمين كذلك وقاحة الطلاب .
إنطلق كمال إلى الصفوف عازما طرقها جميعها..وقف أمام الغرفة الأولى ..كان الطلاب في تلك الغرفة قد كتبوا على بابها "غرفة ولادة ممنوع الدخول"
فكانت أصواتهم تصل إلى الخارج بينما كانوا يقلدون أصوات النساء في المخاض.
طرق الباب ..عندما لم يسمع السماح له بالدخول ،فتح الباب ..ألقى السلام ..أجاب الأولاد معا وبصوت واحد وبغنج مقلدين أصوات الأطفال الابتدائيين،
قبل ذلك كانوا قد إنفجروا ضاحكين لأن المعلم الذي كان يبدو قريبا من أعمارهم قد تفوه بكلمة بذيئة يسيء بها لطارق الباب ..هو ..بمجرد دخوله لم يعلم ماذا قال .
مد كمال الورقة إليه ..أخذها ..بدأ بقراءتها بطريقة تمثيلية بينما الطلاب ينظرون في وجه كمال بطريقة سببت له الارتباك لأنه لايحب أن ينظر أحد في وجهه،فكانت الدقائق تمر بطيئة كالساعات.
وقع المعلم أخيرا على الورقة ..أخذ كمال الورقة وخرج متوجها إلى الغرفة الثانية ،قبل أن يطرق الباب يرتفع رنين الجرس معلنا إنتهاء الحصة ..يخرج طلاب من إحدى الغرف في ثياب الرياضة متجهين نحو الساحة بينما يصدرون أصواتا يقلدون بها أصوات الفاجرات، يسمعهم المرشد التربوي فيقول ساخرا "من هذا القذر الذي يقلد صوت أمه"
فيضج الطابور بالضحك.
في فترة الظهيرة يطلبه المدير ويكون قد أرهقه التعب الشديد لأنه قام تقريبا بكل المهام الموكلة إليه وحتى مهام زملائه الذين أمضوا اوقاتهم في شرب القهوة والشاي وتبادل النكات والضحك،
ذهب إلى المدير الذي بادره على الفور:
-ماهذا ياكمال ؟
-عن ماذا تتكلم ياسيدي.
-لماذا أنت غير متعاون مع زملائك..أنهم يشكون منك.
-يشكون مني انا!!
-نعم؟
-وأنت ماذا ترى .
-أنا لا أرى شيئا بما يخصكم أنتم .. ولا دخل لي بكما ..لكن لابد من التعاون ..هذا لأجلكم أنتم فقط ..أنا لاأحب المشاكل والخلافات..أنتم إخوة؟
كظم كمال غيظه وقال:
-حسنا ..كما تشاء سيدي.
قبل نهاية الحصة الأخيرة دخل كمال إلى غرفة المدير وبيده فنجان القهوة ..تفاجأ بأن المدير غير موجود في الغرفة لكن في تلك اللحظة دخلت إمرأة كان يبدو أنها ولية أمر أحد الطلاب وكانت جميلة ..كان قد سبقه إلى الإدارة مساعد المدير الذي إنحنى إليها من الخلف وأراد أن يطبع قبلة على وجنتها فتراجع بسرعة عندما رأى كمال ..إبتسمت المرأة بوقاحة مما يدل على وجود علاقة بينهما.
عاد المدير..دخل وقال مخاطبا المرأة:
-تفضلي ؟
خرج المساعد ..دخل كمال ووضع فنجان القهوة على الطاولة.
قبل خروجه سمع بعض من حديث المدير وهو يقول لها:
-والله يامدام أنا هنا فقط.. اليوم هو اليوم الأخير لي هنا وسوف أنقل بعد ذلك إلى قسم الإشراف التربوي في الوزارة ..لكن بماذا أستطيع أن أخدمك ؟
وضع كمال الصينية في البوفيه ..دخل إليه زميله نهاد ..همس إليه بخبث :
-ماهي أخبارك مع النوافذ ؟
-أنا...في الواقع..لم..
ضحك وقال مقاطعا:
-لاتتلعثم ياصاحبي..كل مافي الأمر أني سوف ازورك في المساء حتى ننظر أنا وأنت من النوافذ .
( يتبع...)
تيسيرمغاصبه
٢٦-١١-٢٠٢٢
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق