القصة الطويلة
بعنوان
تحت جلد إمرأة
الجزء الأول
كل مساء إعتاد محمد على الخروج من بيته قاصداً ذلك المقهى في ذلك الحي الشعبي الذي ولد وترعر فيه . كان موقع المقهى عند ناصية الحي العتيق . كانت البيوت متلاصقة وكايات الزمن الجميل مازالت واضحة على جدرانها المتهالكة من خلال الذكريات المكتوبة عليها . مازال ذلك الحي محافظاً على كل ما كان عليه منذ عدة عقود . وذلك المقهى كان بيت الجميع . الكل يجتمع فيه كباراً وصغار ليسمعوا حكايات الأسلاف . الضحكة كانت من القلب والود والتسامح سمة الجميع . ذلك المقهى كان يقع عند مدخل الحي . كل من يدخل ويخرج يمر من أمامه . محمد كان من رواده الاصلاء . يجتمع مع فيه أصدقاء الصبا . يلعبون بأحجار النرد التي لم تخذله يوماً لعبة الطاولي . ترتفع أصوات كل من في المقهى من شدة الحماس .
محمد لايمكن لكل الموجودين ان يهزموه . بعد ذلك يجلس على كرسيه المعتاد خارج المقهى ليدخن الأركيله . ذات مساء وهو جالس لوحده على كرسيه مرت من أمامه سيدة أربعينية لم يرها من قبل . كانت تلك الأربيعينة تمشي واثقة من نفسها . سحرته بجمالها وشدته بقوة من تلك الخطوات الواثقة . تكرر الأمر عدة مرات . وكل ما مرت من أمامه يشعر بشعور غريب . وكأن خنجر يغرس بصدره . كان ينظر إليها بشغوف كبير . كانت نظراته تلاحقها الى ان تدخل بيت بني حديثاً بوسط الحي . لم يعد يعرف كل أهل الحي . لأنه إنتقل منه للحي الذي يعيش فيه منذ عدة سنوات . و تلك المرأة
لم يرها من قبل . سأل صديقه الذي كان يجلس بقربه عنها . أجابه هي حديثة عهد بهذا الحي . إنتقلت للعيش فيه منذ عدة شهور
أرملة تربي خمس أيتام . لكنها سيدة فاضلة و كل أهل الحي يحترمها . هز برأسه ثم نهض من مكانه ليدفع الحساب ثم غادر بعد ذلك المقهى . لم يتمكن من النوم تلك الليلة . صورة الأربعينية تتجسد أمامه . قرر ان يقترب منها . إنتظرها كعادته على كرسيه الذي بأت يأكل جسده من لهفته . لم تظهر الأربيعنية في ذلك المساء . عاود الكرة في اليوم التالي لا أثر لها . الثالث والرابع وتوالت الأيام لكن لا جديد !
يعرف عن محمد بأنه مندفع بطبعه
بل يصبح مجنوناً عندما يريد ان يصل لشيء معين . وجد نفسه واقفاً أمام باب بيتها . طرق الباب عدة مرات . لكن ذلك الباب لم يفتح . خرج جارها بعد ان سمع صوت الطرقات المتكررة .
تفضل .. ماذا تريد ؟
وبكل ثقة أجابه .. هل هذا بيت محمود النقاش ؟
لا ياسيدي .. هذا ليس بيت من ذكرت . من قال لك بأن هذا بيته ؟
هو من وصف لي موقع بيته في الصباح . وأنا غريب عن هذا الحي
ياسيدي .
شكراً جزيلاً أتعبتك ، ثم رحل لكنه لم يشعر بالإرتياح . مرت عدة أيام والوضع مازال على ما هو عليه . وبعد شهر ظهرت المرأة من جديد . شعر بالدماء عادت للجريان بشرايين جسده الشغوف . نهض من مكانه من دون ان يدفع الحساب . تبعها كظلها ، و كلما توقفت لتسأل عن حاجة ؟
كان يبادر بسؤال صاحب المحل عن نفس الحاجة . شعرت المرأة بالمضايقة لكنها صمتت لأن المجتمع لايرحم . كل يوم كان يتبعها ، يشعرها بوجوده . يبتسم بوجهها . يسمعها بعض الكلمات التي من خلالها يحاول إستمالتها إليه . إستمر الحال على ما هو عليه لفترة من الزمن ليست بقصيرة لكن من دون جدوى . الأربيعينة مازالت على موقفها منه ( التجاهل ) . هذا الأمر جعله يشعر بشيء من اليأس ، لكنه واضب على ذلك . جرب كل شيء معها ولم يؤثر بها . هي مازالت على متماسكة . كل ليلة كان يسب ويشتم ويلعن حظه العاثر . حبها تمكن منه ولم يعد يطيق العيش بدونها . أهمل نفسه وبيته وحتى عمله . كان كل شيء يتجه نحو الأسوء .
( صمتها ) وتجاهلها كادا يصبان الرجل بالجنون . وبدأ يسأل نفسه أسئلة مجنونة ؟
هل أنا غير مرئي لها ؟
هل أنا ليس بالمستوى ؟
هل أنا نكرة ؟
هل أنا قبيح لهذا الحد ؟
سأجن .. ما هذا العذاب ياالله .
ذات مساء مرت المرأة من أمام المقهى ولم تجد ذلك المتيم . وفي المساء التالي نفس الشيء لا وجود لذلك الرجل . كررت مرورها لعدة أيام لاجديد !
كانت نظراتها حائرة وخطواتها مرتبكة عندما تقترب من المقهى
لاحظ ذلك من إعتادو على مرورها
طال الرجل و إزدادت مع غيابه حيرتها . وإنعكست تلك الحيرة على تصرفاتها مع أولادها . بدت أكثر عصبية وتشنج . تخرج كل يوم بنفس التوقيت على أمل ان تجده بإنتظارها . لكن لاجديد لا وجود له . وكأنه ملح وذاب . بدأت الأمور تخرج عن السيطة . قررت ان تسأل جلسيه الدائم عنه . وأقنعت ذاتها بوجوب فعل ذلك . وفي مساء اليوم التالي
خرجت من بيتها . كانت بالفعل مرتبكة وترتجف بقوة . من بعيد نظرت لمكان جلوسه لم يكن له أي أثر . لكن صديقه كان جالساً يدخن الأركيله . ومع كل خطوة تقربها من المقهى ؟
يتسارع نبض قلبها ، ويصعب عليها إلتقاط أنفاسها . إقتربت الأربعينية أكثر فأكثر من صديقه .
يتبع
الكاتب
جاسم الشهواني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق