الجمعة، 27 يناير 2023

قصة قصيرة تحت عنوان{{عروس على الورق}} بقلم الكاتب القاصّ العراقي القدير الأستاذ{{جاسم الشهواني}}


قصة قصيرة

عروس على الورق

بعد طول غربة وترحال . قرر ذلك الخمسيني ان يستقر بتلك المدينة الكبيرة التي يربط أجوائها البحر .
إستأجر شقة صغيرة شرفتها تطل على ذلك الواسع الذي كل غروب تغفو الشمس بين أحضانه . لطالما عشق وحدته ، وكره الذكريات ، ونسيه الوحيد كراسة الرسم وفرشاته التي يجسد من خلالهما كل مايشعر به . كان مدمن على رسم عروسه التي لطالما حلم بها منذ ان كان شاباً . عروس يراها مختلفة عن كل النساء . رسم لها ألف لوحة وعلق كل مارسم على جدران كل بيت سكنه . تلك العروس الحلم التي لم يتمكن من ان يتعرف على ملامحها ! 
كان يرسم حدود جسمها الخارجي وتفاصيل ملامحها يبقيها فارغة . لكنه عشق تلك الضبابية التي تغلفها . كان على الدوام يردد مع كل لوحة يرسمها ؟
أنا اعرفك .. وسأجدك لامحالة . وسأخرجك من بين ألف إمرأة . قد تكون الآقدار قست علي بحجبك عن ناظري . لكني سأجدك رغماً عنها . ويعلقها على الجدار لتنضم لكل مارسم سابقاً  . كان كل يوم عصراً يجلس بشرفته ليشرب فنجان قهوته ويدخن سيجارته ويرسم لوحة جديدة . وفي احد الأيام وهو يشرب قهوته رأى سيدة أربعينية قصيرة القامة غجرية الشعر تجلس على صخرة يغمر أحد جوانبها البحر واضعة قدميها فيه . شدة إنتباهه !
كانت مختلفة رغم إنها لم تكن الأجمل . شعر بشيء تحرك بداخله تجاهها . لايعرف مالذي شده إليها
قد تكون يد الآقدار هي من رسمت أمامه لوحة متكاملة رائعة للسيدة والصخرة والبحر . قد تكون طريقة جلوسها والماء المتاثر فوق رأسها له تأثير عليه . أسرع لجلب كراسته وفرشاته . بدأ برسمها فكانت الأروع . أدمن الجلوس كل يوم بنفس الموعد الذي تكون هي موجودة فيه . رسم العديد من اللوحات لعروسه . كانت عاشقة للبحر . وكأن البحر يبادلها المشاعر . شعر بالغيرة منه . فقرر ان يكون بالموعد في اليوم التالي . قبل موعد حضورها جلس على صخرتها . شعر بأن مزاج البحر قد تغير !
كان البحر ثائراً وبدأ بلطم الصخرة بقوة ، والريح عالية . شعر بالبرد
لكنه لم يتحرك من مكانه . شعر بالملل . قرر ان يرسم لوحة لعروسه التي ينتظرها بشغف . كان يرسم ورذاذ موج البحر يرطب ورق كراسته . العروس تأخرت كثيراً . والبحر يزداد هيجان !
والخمسيني مع كل دقيقة تمر عليه يزداد إصرار على البقاء !
بعد طول عناء من الريح والرذاذ أكمل لوحته وتلك العروس لم تحظر . شعر باليأس . نهض من مكانه ، كانت وقفة تحدي للبحر
فهبت ريح حملت معها لوحته الآخيرة لتطفوا على سطح العاشق ليبتلعها موجه بعد ثوان
إبتسم الرسام وهز برأسه ثم قال ؟
أنت والدهر علي .. يابحر !
تخلى عن فرشاته وكراسته وسار الى ان إختفى عن المشهد ككل مخلفاً وراءه آثار الخيبة . لكن البحر كان يسمع صوته القادم من العدم مردداً ؟
من عاش بالاوهام سيبقى يدور كثور الطاحونة مغمض العينين لآخر الزمان . وسمع ضحكة هستيرية وأتبعها ب .. هي بالنهاية 
( عروس على الورق ) ..... تمت

                              الكاتب
                             ج ال ش

                               العراق 

ليست هناك تعليقات: