قصة متسلسلة
"الأفق البعيد"
-٦-
كان عبدالله قد ارتدى ثياب الخروج منذ الصباح الباكر ،ورأيته يقف على باب منزله ينظر إلى ساعته بتوتر .
بعد أن أفرغ شحنة الغضب أثناء اتصالي به ،أسرع إلي وجذبني من يدي وقال ونحن نسير مسرعين:
-هيا تفضل لقد تأخرنا؟
-حسنا ياصديقي لكن إلى أين.
-إلى الغواصات؟
-الغواصات.
-نعم ستكون مسرورا؟
ماأن اقتربنا من القطارات القصيرة التي تسير على السكك الحديدية المعلقة حتى رأيت فتاة رائعة الجمال تتجول وحدها ،كانت ترتدي الفستان القصير والكلوت الأبيض، كانت تسير بخفة ورقة وإنوثة مفرطة ،فكان المارة ينظرون إليها بأعجاب ويقتربون منها ويلتقطون لها الصور ويأخذون صور إلى جانبها.
افلت يدي من يد عبدالله الذي كان متشبثا بها كعادته ، وأخرجت موبايلي من جيب سروالي وجريت إلى الفتاة لآخذ حصتي من الاقتراب منها.
ماأن رأتني حتى إبتسمت فكانت إبتسامتها كفيلة بأن تسلب عقلي ويفعل سحرها فعله بي،اقتربت منها ..وضعت ذراعي حول عنقها ورفعت موبايلي لأخذ صورة سيلفي معها وسط استغراب ودهشة الجميع فضحكت مرحبة بذلك ومالت برأسها ليلامس رأسي كما وأننا عشاق.
صرخ عبدالله بتوتر:
-لا ..لا قف أيها الغبي ؟
فجأة إنقض علي كلب ضخم
مخيف بحجم الدب ،أوقعني أرضا وألقى بثقله فوقي كالجاثوم ،فكان يزمجر و يلهث و يرشق وجهي بلعابه المتساقط.
إنطلقت أصوات الإنذارات..جرى رجال الأمن إلي ..أبعدوا الكلب عني وبدأوا بإسعافي والتأكد من تنفسي ،سألني أحدهم :
-هل أنت على مايرام؟
أجبت وأنا لاأزال فزعا من قباحة الكلب واسنانه الكبيرة :
-نعم أنا بخير .
اقترب عبدالله منا وقال موجها كلامه لهم:
-المعذرة أنه صديقي وهو جديد هنا ولايعلم شيئا دعونا نغادر ؟
أجابة أحد رجال الأمن:
-لكن لابد من الاطمئنان عليه لربما يكون قد تأذى ،قد يحتاج إلى نقله للمستشفى؟
قلت :
-لا ضرورة لذلك أنا بخير أشكركم.
بصعوبة حتى اقتنع الجميع لكنهم التقطوا لي بعض الصور وأخذوا بصمتي وقال أحدهم قبل مغادرتهم :
-إذا حدث له أي شي أرجو الاتصال بنا على رقم الطوارىء ؟
رد عبدالله :
-حسنا أشكركم.
تابعنا طريقنا بينما عبدالله يتذمر ويشتم ،
استقلينا القطار ..جلسنا في أماكننا، قال عبدالله بتوتر:
-يبدو أنك مهووس بالنساء حد الجنون ياصديقي العربي؟
-هل إرتكبت خطأ.
-أجل ..أجل ، ماكان عليك أن تلمسها ..لم تكن مضطرا إلى لمسها؟
-لكني لم أرتكب أي خطأ اليوم ..أنا فقط فعلت مايفعلون..وهي تقبلت ذلك.
-أيها الغبي..أنها ..ليست..؟
-ليست ماذا !
-وهل سأشرح لك الأمور في كل لحظة ،بالله عليك أخبرني من أي كوكب أتيت ؟
* * * * * * * * * * *
وصلنا إلى مبنى الغواصات والذي عندما دخلنا إليه كان من الداخل أشبه بالمسبح المغلق ،تصطف فيه الغواصات الصغيرة الخاصة،منها كانت بمقعد وهي لشخص واحد، أوبمقعدين وتكون لشخصين.
قدمنا معلوماتنا للإدارة وقمنا بتمرير بطاقاتنا على الجهاز فجاء الصوت :
"شكرا ،أرجو التوجه إلى الغواصة رقم ثمانية،نتمنى لكم رحلة سعيدة "
كنت مترددا لكن عبدالله جذبني من يدي وقال :
-هيا بسرعة ياقلب العصفور ؟
دخلنا إلى غواصة فيها مقعدين لي وله، كان الكثير غيرنا يستقلون الغواصات التي كانت بحجم العربات "الفوكس" ،منها تحتوي على مقعد واحد ومنها مقعدين فرأيت من يصعد ومعه صديقته أو زوجته أو أصدقاء يصعدون معا وهم سعداء فشعرت بالحرج بسبب ترددي في البداية فتسلحت بالشجاعة وتظاهرت بالحماس والشوق للرحلة.
قاد عبدالله الغواصة فبدأت بالغوص إلى الأعماق وقال لي :
-لولا ارتكابك الأخطاء بأستمرار لكان استقل كل منا غواصة وحده أيها العربي ؟
تلفت هنا وهناك مبهورا بما أرى
فتخيلت نفسي في تلك اللحظة استقل الغواصة
وإلى جانبي جولي فشعرت بالسعادة.
قال عبدالله:
-ها مارأيك ياصديقي العربي ،هل حلم العرب يوما بذلك ؟
هنا خطر في ذهني سؤال أوجهه لعبدالله الذي دوما يكرر "عربي..عربي"، فقلت له:
-أتسمح لي بسؤال ياصديقي؟
-نعم تفضل .
-لماذا كنت تصف نفسك بعربي بينما أنت أمريكي ؟
-يوجد سببان.
-هل لي أن أعلمهن؟
-بالطبع ياعزيزي المزعج،أن السبب الأول هو أني قد عشت مع العرب لفترة طويلة .
-سبب غير مقنع، حسنا والسبب الثاني ؟
-أما السبب الثاني فهو أن أمي عربية ..وأنا أكن لها الكثير من الحب.
-نعم ..فهمت..؟
-والأن هللا تركتنا نستمتع برحلتنا تلك ؟
-حسنا ..أشكرك.
بدأت رحلتنا في الأعماق الساحرة بين جبال المرجان وأشجار شقائق النعمان والاصداف ومن حولنا الحيوانات البحرية المتنوعة .
وبالفعل لو كنت وحدي لما استطعت القيادة وسط هذا العالم المدهش بل و المخيف.
كنا ندخل بانفاق مظلمة مستعينين بكشافات الغواصة ونخرج منها إلى كل ماهو مبهر من عوالم خفية مدهشة .
حقا كان عالم لم تره عيني من قبل حتى على شاشات المحطات الوثائقية،
في لحظة ما خيل إلي أني رأيت حورية البحر تسبح بينما شعرها الطويل جدا يتماوج حولها إقتربت من نافذتي وأخذت تتأمل وجهي فبدت كما وأنها تعرفني من قبل ،بل وشعرت كما وأني أنا أعرفها أيضا ..فقلت في نفسي "لعلي رأيت فتاة تشبهها ،
فقلت لعبدالله:
-تمهل.. تمهل إبقى هنا حتى لانبتعد عن حورية البحر ؟
نظر إلي بأشفاق وقال ساخرا:
-أيضا حورية بحر يا أحمد ..حورية بحر ..لاحول ولا قوة إلا بالله.
لكن ظهرت أمامنا سمكة ضخمة،طويلة جدا تشبه أفعى الأناكودا أو التنين ،أحاطت بالمركبة..فتحت فمها وظهرت أسنانها الكبيرة، المرعبة،فبدت كما وأنها ستبتلعنا مع غواصتنا،
قال عبدالله ساخرا منها كما وأنه معتادا على ذلك:
-ماذا تريدين هههههههه ؟
لكني شعرت بالفزع ورفعت قدمي بلا قصد فلامست إحدى مفاتيح الغواصة فتعطلت وهبطت إلى القاع لتحط فوق الرمال، وإنطفأت إنارة جميع الفوانيس ..لنصبح في ظلام دامس .
قال عبدالله:
-ماذا فعلت أيها البائس ههههههههه ؟
بقينا دقائق كنت أشعر خلالها بالرعب والوحشة بينما عبدالله كان بارد الأعصاب كما وأنه يعتبر ذلك عقوبة ثانية لي، وكانت ضحكاته تزيدني توترا فبدأت أشتمه بنفس شتائمه معتقدا بأنه يستطيع إصلاح العطل لكنه يماطل.
مرت الدقائق كما وأنها ساعات حتى تمكن عبدالله من العثور على المفاتيح وإضيئت الفوانيس ثم
إرتفعت الغواصة من جديد
وتابعنا الرحلة وأنا أقول له بتوتر:
-لن أكرر هذه الرحلة ثانية؟
-هههههههههه هههههههههه.
وفي الحقيقة كنت بالفعل قد إتخذت قراري بالتهرب من عبدالله حتى لو إضطرني ذلك إلى الرحيل من منزلي.
(يتبع....)
تيسيرمغاصبه
١-٥-٢٠٢٣
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق