الأربعاء، 26 يوليو 2023

ج(الثاني) من قصة {{في عتمة الحافلة}} بقلم الكاتب القاصّ الأردني القدير الأستاذ{{تيسيرالمغاصبه}}


(في عتمة الحافلة )
  سلسلة قصصية
  "الموسم الرابع"
              ٢٠٢٣
---------------------------------------------------------

القصة السادسة 
 ذات الجدائل 
     -٢-

شعرت بالغضب مما تفوه به صديقي ،فقلت له موبخا:

-لايجوز هذا الكلام ياخالد عليك التحدث بأدب ؟

لقد شعرت بمجرد أن دخلت زمردة إلى قلبي دون إستئذان ؛ أن كرامتها هي كرامتي، أصبحت زمردة  تخصني ،لكن هي قامت بالفعل الذي أردت ،ووفرت علي الكثير عندما قامت بتعزيره قائلة:

-خسئت أيها الحقير ،كيف تتجرأ على التفوه بمثل هذا الكلام وأنت في عمر أبي ،ألم ترى الشيب الذي انتشر في  شعر رأسك ولحيتك، ألا تخجل من أن تسمعك ابنتك وأنت تتلفظ بكلام فاحش على فتاة بعمرها ،لماذا لم تكن بأخلاق هذا الشاب الذي يصغرك بكثير ؟

قلت وقد كانت صدمتي كبيرة  بصديقي ،وكنت أحدثها وانا منكس الرأس من شدة الخجل بسبب مافعل خالد:

-أنا أعتذر آنستي  عمابدر منه؟

-على الرغم من أنه لادخل لك بما بدر منه إلا أني قبلت اعتذارك أيها الخلوق .

فتركنا وذهبن، لكني خشيت ألا تحضر  ثانية،وأما صديقي الوقح فكان قد ضمر الشر بسبب الإهانة التي وجهت له ،فهو لايؤمن بالهزيمة أبدا .

لكني التقيتها عدة مرات بعيدا عن خالد قبل اختفاء الخيام من عمان بسبب قدوم فصل الشتاء.

*    *     *     *     *    *     *    *     *     *     *

وأنا الأن  أنظر من نافذة الحافلة أشاهد حقول القمح الشاسعة، والسنابل التي أصابها اليباس فأحنت رؤوسها منتظرة مناجل الحصادين. 
أخذتني تلك المشاهد إلى رحلة لي قبل سنوات ،قمت بها إلى الأغوار ،وعندما خرجت في صباح اليوم التالي من منزل أحد الأقارب  للتجوال ، رأيت من بعيد بعض خيام الغجر حيث كان الأطفال يلهون بينها،خفق قلبي بشدة  فقادتني قدماي إلى هناك ،ويا لفرحتي عندما رأيتها مع رفيقاتها حيث كن ينقلن الماء بالجرار، وقد عرفتها من جدائلها الطويلة ،جريت إليها وقلت بفرح وأنا لازلت مصدق عيناي :

-زمردة..أنا حاتم أتذكريني؟

مجرد أن رأتني حتى أوقعت جرتها وتحطمت ، ضحكت الفتيات منها ،وجرت إلي وقالت بسعادة لاتقل عن سعادتي :

-حاتم ،وكيف لاأذكرك فأنت لم تغب عن ناظري لحظة يامن سكنت الفؤاد؟

تركنا البنات وتابعن طريقهن وقلت بسعادة:

-أخيرا التقيتك ياحبيبة الروح بفضل حظي الجميل.

-بالفعل أنه حظنا معا أننا التقينا قبل أن يحين موعد رحيل القبيلة من هنا  بعد غد ،أن الله يريد لنا اللقاء؟

-ولماذا سترحلون .

-لا نستطيع البقاء في الغور بسبب شدة  الحر ،سنرحل  لنمضي شهور تموز وآب وأيلول في منطقة أخرى طقسها افضل؟

-وإلى أين سترحلون. 

-لربما نعود إلى عمان ،لكن تحديدا أين في عمان ،لاأعلم؟

-وكيف سألتقيك.. أنا لااستطيع العيش بدونك ،يجب أن نجد حلا يرضينا معا،وعدم الاعتماد على الحظ.

-وأنا كذلك أيها الحبيب ،لكني أخبرتك مرارا بأن شرطي الوحيد هو  قبولك البقاء معنا ،وأن تعيش كما نعيش نحن  ،أن هذه هي تعاليم قومنا؟

- وأنت مارأيك.

-أن رأيي هو رأي قومي، وأنا اتبع قومي ،ولاأستطيع الإبتعاد عنهم أو التخلي عن أمي وأبي  وأخواتي وإخوتي مهما كانت درجة حبي لك،فهم أهلي وعزوتي وقد اعتدنا على نمط عيش لانستطيع تغييره،وهو كسب العيش من خلال العمل وإلغناء والرقص ،أيضا قبيلتي  لن تقبل التخلي عني  وهي تراني  افضل فتاة  منتجة حتى لو لزم الأمر بقتلي؟

-أإلى هذه الدرجة ،والرجال ماذا يفعلون عندكم .

-لاشيء فقط يلعبون الشدة ويرقصون ويعزفون على الآلات ،بينما النساء تعمل وتنجب الأطفال وتطعم الجميع؟

-حقا تقاليد عجيبة ،وهل سأكون أنا كذلك .

-إن أردت أن تعمل فلك ذلك؟

-أنستطيع أن نلتقي وحدنا لنتحدث.

-بالطبع نستطيع ،يمكنك  السهر عندنا هذه الليلة كالسابق ،اليوم وغدا في احتفالاتنا الأخيرة  هنا ،وسأغني وأرقص لك وحدك وفي الغد يمكننا أن نلتقي صباحا في المغارة الكبيرة قرب السيل ؟

-حسنا إلى الغد .

*    *     *     *     *     *     *     *     *     *     *     *

والتقينا..
كانت المياه المتسربة إلى المغارة قد قامت بتنظيفها قبل أن تجف تماما تاركة مكانها تراب ناعم أشبه بالنخالة، وذلك منحنا بعض الرطوبة المنعشة ،على حصير كالحرير.
جلسنا ..تعانقت أيدينا بشوق ولهفة .وكلما حاولنا الصمود ومقاومة لهفتنا وشوقنا، كانت أيدينا تجذبنا إلى بعضنا بعناد.
وكانت أسعد لحظات حياتنا ،قالت ونحن في غمرة شوقنا وهيامنا :

-عليك أن تفكر جيدا ياعزيزي ولا بد أن تتخذ قرارك فقد لانلتقي ثانية ،وعليك أن تعلم بأن هذه هي المرة الأولى التي أختلي بها برجل غريب..حتى لوكان ذلك الرجل هو حبيبي ؟

حاولت تغيير ذلك الحديث لنستمتع بوقتنا دون أي احباطات وقلت:

- أشكرك على تحرير جدائلك من جديد ؟

-لو لم يكن أملي كبير في لقائك ثانية لما فعلت،لأننا مهما طالبنا بالحرية فأننا لا نجرؤ على الإجهار بها، وسنبقى عبيد للعادات والتقاليد؟

أخيرا مكنتنا أيدينا العنيدة من القبلة الأولى ،فخشينا على حبنا من أن تجرفنا القبلة الأولى  مع ذلك السيل لتقودنا إلى منعطف أخر لولا هروبنا معا من ظلال ذلك الغار .
قلت لها وأنا لاأزال ممسكا بيدها ونسير مسرعين بحكم العقل النافذ:

-أين ستكون إقامتكم في عمان ياحبيبتي ؟

-أخبرتك بأني لاأدري ياحبيبي ،لكن إن لم تتخذ قرارك سيكون لقائنا القادم مرتبط بالحظ فقط..والحظ لن يخدمنا دائما.

-حسنا ياحبيبتي  سأنتظرك غدا في نفس المكان ؟

قالت بقلق وتردد:

-لكن...حسنا.. لكن عليك الحضور اليوم إلى السهرة ياعزيزي ..كي أستطيع التألق والإبداع بوجودك.

جرت بينما شعرها الطويل جدا يرتطم بظهرها كما وأنه يوبخها على تلك الخلوة وعلى لحظة الضعف  التي أجبرتها على قبول القبلة ،لأول مرة في حياتها.

*     *     *     *     *     *     *     *     *      *     *

ماأن وصلت إلى القرية حتى تفاجأت بصديقي خالد ينتظرني  في أول القرية وكانت ابتسامته الخبيثة لاتفارقه مما يدل على أنه يعلم كل شيء عنا من خلال مراقبته لي.

(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه 

٢٠-٧-٢٠٢٣ 

ليست هناك تعليقات: