{ من وراء الصحيفة }
قالت ...
أغار عليكَ من الجُمل
أغار أن تلامس حروفكَ الزهور
فتعشقكَ وردة حمراء
تثيرك بضوعها المُعسَّل
فتنثر على جوعه القُبل
أو أن تهيم بـحروف نثركَ ملاك شقراء
عنقها المرمر المنحوت ممتلئ بالإغراء
من أجلكَ تركت مملكة الحكماء
جاءت إليكَ وارتمت بين يديك
قادمة من كوكب زُحل
أو أن تلفح أوراقكَ
عاصفة هوجاء
تنثر حروفكَ في ليلة شتاء
لتلملمها شفاه السماء
كي لا يغازلها القمر
أو أن تتسلل نجمة زرقاء
في ليلكَ المُترع بإلهامك الرائع
تبحث عن وهجها الضائع
بين دفء حروفكَ
فيطيب لها البقاء
أو أن تتخلى العنقاء
عن كحل رمادها من أجل حبوركَ
.......2
سوف أعترف لكَ هذا المساء
إني تعبت يا سيد قصائد النساء
من ملاحقة غيابك وحضورك
ومن ظنوني
فقد ذابت بمراقبتكَ زبدة عيناي
وحُبكَ أوقعني في شباك الحيرة
وأصبحت تلازمني وتقتلني الغيرة
والشك في داخلي صهيل خيول
يحطِّم مرآة قلبي
يصول ويجول
وأنت تقول
إن كان في الحب جنون
فجني وجني
فلن أتخلى عن حرف
من الحب يسكنني
فيا أيها الشاعر المغرور
سوف أجن يا سيد القلب وأثور
ولن أدع قصائدكَ تأخذكَ عني
فأنا لكَ وأنت مني
وقد قتلني هذا الشعور
فإن بحتُ لكَ بما يجول ويدور
في دهاليز رأسي .. فتحمَّلني
اِعترف وقل
فإن الله غفور
لما تواعدكَ كل يوم
همسات الكلمات
فهل تعشقها وتعشقكَ أكثر مني !؟
لتحرك مفاتنها مناسم شعوركَ
....3
من أجل هذا
يا صاحب الحروف الحمقاء
أصبحت أنزع وجهي كل مساء
أبدِّله مع وجوه وأقنعة الغرباء
أطفئ النور
وأرتدي طاقية الإخفاء
أندَّس بين السطور
كوغل قطرات العطر
على أعناق النساء
وأمشي خلف ظلال قلمكَ وأدور
أقرأ ما تكتب .... فأجن وأثور
حروف عشق تفيض كالأنهار
أشواق لا تسعها البحار
موعد ولقاء وانتظار
شفاه صاهلة وقبل من نار
أنفاس تقتلع الأسوار
فـادعو أن يصبح قلمكَ مبتورا
كأثار أعمدة الرومان
الموجودة لغاية الآن
في (قلاع بعلبك وعنجر وصور )
أو أن تصاب عيناي بالرمد
أو أن يخسف الله الأرض
تحت أقدام الشعراء
ولا يُبقي منهم
علي وجه الخليقة أحدا
كقبائل ثمود وطمس وجديس المتهالكة
.......4
أصبحت يا قلبي الحمول
عاشقة يقتلها الفضول
ألاحق الحروف المستعارة
والجُمل .... وحروف الإشارة
دثرت كُتب الشعر في مغارة
دعوتُ أن يحرقوا ويغرقوا حروفكَ
المغول والتتار
ومارست ضد حروفك جميع الطقوس
دعوت ألف دعوة على ( قدموس )
فلم أرى حروفه في ناووس
ولا عيناه قد عمت
قمت بخنق عنق حرفكَ فلم يمت
ولم يحل على أنفاسه السكوت
طمسته تحت صخر منحوت
فخرج كما يخرج الشبح من التابوت
حاولتُ أن أسجن
جنون شعركَ داخل فانوس
فتعملق وبرق
وبعين مارد بجنوني حملق
وأنت يا أنت كما أنت
ما زلت على كتابة الشعر مدمنا
وأنا كما أنا
أجن إن رأيت
حرفًا بين أناملكَ دَنا
ليتمتم على الورق ما بدواخلكَ
......5
من أجل حرفكَ
تلبَّست دور مُخبِرة
وارتديت ألف قناع
ومارست عليك الخداع
تارة أصبحُ فتاة أجنبية لطيفة
وطورًا أتنكَّر بوجه امرأة مخيفة
أجلس أمامك على الرصيف
وأراقبك من وراء الصحيفة
وأرتدي معطفًا ونظّارة
أشك بكل حرف يمر
وأفتش كل عِبارة
أعتقل الجملة
الجذابة الجميلة
وأضعها في النظارة
والفِّقُ لها مئة قضية
وأتهمها بالدعارة
كي تقع في المهالك
....6
أراقب كل صباح ذاك اللقاء
مع قهوتك التركية السمراء
أرد على وجهها ستائر السماء
كي لا تضع بين شفتيكَ
طبعة أو إشارة
وأتلصلص على قلمكَ
من وراء المِحبرة
فقل برب السماء
ماذا تكتب كل مساء
كي تلتف حولكَ النساء
كدوي النحل النهم
حول أقراص شهد حبوركَ
.... 7
يا مناسم عشقي المنثور
قل : هل حرفكَ من نور ؟!
كي تعشق الفراشات
ضوء قنديلكَ
وحوله تدور
وتلتف دون عناء
كأجران أفلاك السماء
فأنا بحبك امرأة متجبِّرة
لا أحب أن يشاركني بكَ أحدا
فأنت لي إلى الأبد
فقبل أن تكتب
اعذرني يا سيد القلب
إن كرهت الشعر والشعراء
وسببت لكَ بعض العناء
ولكن ...
لم أضيع الدرب
فأنا فتاة شرقية
هكذا أعشق وأحب
أتنازل عن كبريائي من أجل القلب
وإن لم أفعل هذا فاعلم
إني لم أعشقكَ يوما ولم أحب
فعد إلى رشدكَ يا شاعر الغيداء
واترك بيوت القصيد تنهار وتتهالكَ
...8
بربي
إن نثركَ قد نُقِش
على جدار قلبي
فتغلغل بينهما وبيني
وكن لأنفاس الفؤاد ... الدواء
وعطر الجِنان
فتقدم الآن
فإن الوقت قد حان
يا غدي وأمسي
ليلامس خمسكَ خمسي
وارم أوراق شعركَ في الهواء
ليأكلها البلاء
فإن رميتها
وتحقق حدثي
هذا يوم عرسي
وسنين عشقي القادمة الضاحكة
•علاء الغريب / كاتب صحفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق