قصة قصيرة
أمانة
خرج من منزله وهو ينظر إلى السماء يشكو لربه همه وسوء حاله ،ولم يكن في جيب سرواله القديم المهترىء سوى دراهم معدودة هي ثمن بضعة أرغفة من الخبز.
كانت طلبات أفراد أسرته لاتزال ترن في أذنيه كأصوات ضرب السياط،
كل منهم يذكر له مايشتهي من طعام، وماذا يتمنى أن يرتدي من ثياب للعيد القريب والذي أصبح على الأبواب بدلا من ثيابه البالية المهترئة والممزقة.
كذلك مستلزمات المدرسة ،أو طفل صغير يطلب منه أن يشتر له لعبة.
وكان لايقوى على الرد بسوى "إن شاء الله..لعل الله يشاء "،
حتى ظن الأطفال من كثرة تكرار تلك العبارة دون فائدة ترجى منها؛بأنها تعني :لا.
أما زوجته المسكينة ،الوفية فأنه لاير سوى دموعها عندما تبك خلسة من مرارة الحياة وقسوتها.
أخيرا نكس رأسه بعد أن علم أن لاأمل في النظر إلى السماء والشكوى ، فأن الحال لن يتغير مهما فعل ، بل أنه يزداد سوءا وتعاسة، وقال يحدث نفسه:
"يكفي هكذا ..أن من هو في وضعي الصعب لايجوز له أن يرفع رأسه إلى السماء ،فقد يقع في حفرة عميقة"،
ماأن نكس رأسه حتى رأى أمامه صرة مربوطة بخيط ،كاد أن يتابع مشيه لولا أنه هذه المرة إنحنى وحملها ووضعها في كيسه الذي سيضع فيه أرغفة الخبز القليلة والتي بالكاد تكفي لوجبة واحدة .
جلس ليسترح تحت ظل شجرة تسدل أغصانها لتصل إلى الأرض،
أخرج الصرة من الكيس ،وفتحها وماأن رأى مافيها حتى جحظت عيناه وكادت أن تخرج من رأسه من شدة المفاجأة ؛لقد كانت الصرة ممتلئة بالذهب والمجوهرات كذلك رزم من الأوراق النقدية.
قام بربط الصرة من جديد وأعادها إلى الكيس ونهض وتابع سيره وقد إنفرجت أساريره هذه المرة، ورفع رأسه إلى السماء شاكرا ربه الذي تأخر بالإجابة لكنه أعطاه أخيرا بلا حساب .
وبدأ يحدث نفسه :
"صرة من الذهب والمجوهرات والأوراق النقدية ،ولا يوجد فيها مايدل على صاحبها ،أو أي إثبات له ،لاعنوان، لابطاقة شخصية، لاأوراق ثبوتية ،فلا بد أن الله قد أرسلها لي ،وتقول الحكمة- شاة وحدها ضائعة في الصحراء ،إما لك وإما للذئب؛
الأن سأشتر لأولادي أشهى الأطعمة، وألذ الحلوى ،وأجمل الثياب ،وسأشتر للصغار من أولادي ماكانوا يتمنون من ألعاب ثمينة.
وسنترك هذا المنزل المرتفع الأجر بالرغم من حقارته، وسأشتر منزلا أخر، بل قصرا في أجمل مكان في المدينة ، وعربة ثمينة، كذلك سأشتر لزوجتي الكثير من المصاغ، وكل ماتتمناه لتعويضها عن سنوات حرمانها.
أما أنا فسأصبح من أثرياء البلاد المشهورين بعد أن أعمل في التجارة وقد إنتصرت على الفقر اللعين أخيرا .
وسأجعل من زوجتي سيدة مجتمع يشار إليها بالبنان،
أما أولادي فسأدخلهم في أشهر المدارس الخاصة ليتعلموا أحسن تعليم .
وسوف نستغل كل لحظة في الاستمتاع في أشهى الاطعمة، والذهاب برحلات وإرتياد متنزهات الأثرياء. وسأعوض أولادي عن كل لحظة حرمان عاشوها.
وبالطبع لن أنسى أن أقوم بإنشاء مسجدا ليكون صدقة جارية لي ،وأن اساعد الفقراء والمساكين وأن أتكفل بالأيتام،
وسأنصر الضعيف بمالي وعزوتي ورجالي .
وهو في غمرة أحلامه مر بتجمع لرجال ونساء ،وعندما إقترب منهم رأى رجال يهزون رؤوسهم بأسف،ويحوقلون ،وأحدهم يضرب كفا بكف ، وعندما دخل بين الجموع رأى إمرأة طارحة نفسها على الأرض تعفر وجهها بالتراب وتبكي بحرقة ،كان رجال الشرطة يقفون دون أن يستطيعوا فعل أي شيء لها.بينما نساء يلمنها على عدم حرصها،
إقترب من أحد الرجال وسأله:
-ماذا يجري ولماذ هذه المرأة تفعل بنفسها هكذا؟
أجاب الرجل:
-لاحول ولاقوة إلا بالله ، الله يهدي النساء، كان عليها أن تكون أكثر حرصا على مالها وأن لاتحمله معها دفعة واحدة، أن هذه المرأة أضاعت قبل قليل كل ماتملكه من ثروة ،تقول أنه كان معها صرة فيها كل ماورثته عن أبيها من مال وذهب ومجوهرات؟
هنا علم الرجل بأن الصرة تخص هذه المرأة.
ذهب إليها وقال لها :
-إنهضي ياأختي أن مالك موجود وقد رد إليك؟
ووسط دهشة الجميع قال وهو يخرج الصرة من كيسه ويتابع:
-أن مالك قد عاد إليك ،أنه بلا شك مال حلال ،ومال الحلال لايضيع أبدا؟
نهضت المرأة بسرعة وأخذت الصرة منه ثم بدأت تدعو له ،لكنه تركها ودون أن يسمع بقية دعائها و
عاد إلى منزله وبيده أرغفة الخبز القليلة ،وعندما إلتقى بزوجته قال لها بخيبة أمل ممزوجة براحة نفس وراحة ضمير :
-خذي يازوجتي الحبيبة، هذه هي أرغفة الخبز؟
أخذت منه أرغفة الخبز وقالت مستفهمة:
-مابك يازوجي الحبيب ،أن وجهك لايفسر أبدا هذا اليوم؟
قال :
-لاشيء ..لاشيء أبدا ،فقط أن الله قد إستجاب لدعائي وقد أغناني للحظات، ومن ثم عاد وأفقرني من جديد؟
ثم ضحك ساخرا من حظه العاثر، وتركها وإستدار خارجا ليجلس في مكانه في باحة المنزل.
هزت المرأة رأسها ،وقالت في نفسها:
-أخشى من أن يكون زوجي قد جن.
تيسيرالمغاصبه
١٢-٩-٢٠٢٣
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق