" وقفة تأمل
- أعتذر!
ْ - تأخَّرتِ...!
- لا تنظرْ إلى الساعةِ، أعرفُ الموعدَ، لكن الشوارعَ مبتلَّةٌ جرَّاءَ المطرِ، صادفت وردات على جانب الطريق... وقفتُ ألقي عليها تحيةَ الصباحِ...
لا... لا...تذكَّرتُ الآن... فقد استوقفَتْني وردةٌ انحنتْ إلى الأرض، حاولتُ أنْ أمسكَها، لكنَّها أبَتْ فسقطَتْْ، تأثَّرتُ... فقد كانَ وقع المطرِ شديداً عليها، لم تحتملْ قطراتهِ الكبيرةِ ، ماذا أقولُ لكَ ؟
لا تنظرْ إليَّ هكذا، فأنا أعرفُ ما ستقولُهُ لي، وهوَ أنَّني وقفتُ أمامَ المرآةِ... حدَّثتُها،
أنتَ تعرفُ أنَّ المرايا لم تعد تعنيني، يكفي أنْ أنظرَ لمرآةِ روحي كي أكتشفَ أني ما زلتُ أنا، لا تتملْمَلْ إن تعبتَ مني، فبإمكانكَ المغادرةُ، فمَنْ لا يحبُّني لمطري، لصحوي، لجنوني، فهوَ لن ينتظرَني أبداً.
ما بكَ؟
سكوتُكَ يغلي الدمَ في رأسي.
اصرخْ ..
قلْ لي كلماتٍ تدلُّ على اهتمامكَ، ولا تنظرْ إليَّ بعين الملامةِ، نعم لقد تأخَّرتَ، وأنا الحريصةُ على الوقت، كم خبَّأتُ لكَ أشياءَ كنتُ سأقولُها،
كنتُ سأقولُ لكَ:
- ما أجملَ صباحي بتفقُّدِ كلِّ مَنْ أحببتُهم أنْ يشاركوني هذا الصباح بمطر عالقٍ على نافذة الوقت.
كنتُ سأحدِّثُكَ عن روحي التي فقدتُها ووجدتُها في كلمةٍ
كنتُ وكنتُ،
قبلَ أن أنسى وعدتَني بكلماتٍ كنتَ ستكتُبها لي على دفتري الصغير، وأنتَ تعرفُ كم أحبُّ كلماتِ الذكرى،
ألا ترى معي وكأني بحديثي هذا أودِّعُكَ وأدعوكَ للرحيل؟
لا تقفْ طويلاً أمامَ كلماتي، فالجنونُ عادةً يعتريني على شكل هذيانٍ،
هل تحتملُ هذا الهذيان أم ستتركُني هنا، ونقولُ:
- وداعاً للذي كانَ.
مشت نحو القبر تجر خطواتها جراَ، كانت ترتدي السواد
والخمار على وجهها، انتظرت الجميع حتى خرجوا من المقبرة، وحدها مع حزنها الذي لم يدركه أحد، في كل حديث لهما، كانت تتخيل تلك اللحظة، مرة سألته:
- إذا مت أنت كيف أرثيك وكيف أحزن عليك، حتى هذا الحق منتزع مني، كيف أثبت للجميع أنك مسجل على قيد النبض؟ أنا! لست ضمن أفراد أسرتك، لكني أنا كلها مجتمعة، أجابها:
- سأحتفظ بورقة معلقة كأيقونة على صدري وأنت فيها محبوبة القلب، ألا يكفيك أنك من مواليد الحب
وحروفك قصائد شعر في دواويني! كل تلك الكلمات تذكرتها وهي وحيدة على القبر، نثرت الورود التي كان يحبها، حمراء بلون شقائق النعمان.
عادت ذاكرتها للوراء، تذكرت أول لقاء، طلب منها أن تكون شريكة النبض في السر ، وأن تداري مشاعر الود، لاتعرف كيف استطاعت أن تتزوج
بلا عقد سوى الوفاء، و بقي هو متربعاً عرش القلب دون منافس، ها هي الآن وحيدة على قبر تفوح منه رائحة الحنين وصورة لملك توجته بحبها على عرش السنين،
وقفلت راجعة ووردة ذابلة، احتضنتها كي تبقى شاهدا على ذاك العمر الحزين، في الطريق إلى البيت حاولت لملمة حزنها الدفين، وراحت تقلّب دفاتر الذكرى، كل كلمات المواساة لنفسها لم تغفر لها هدر تلك السنين بانتظار معجزة أن تحدث وتغير حالها.
في الغرفة العتيقة لم تفارقها نبرات صوته التي كانت تشق مسامعها تلك البحة التي أبقت منها أنثى الانتظار، هو
لم يعدها بشيء كانت تعرف بأنه رجل المفاجآت ولكن في هذه المرة خانها حدسها، ولم تأت حساباتها على قدر لهفتها.
وماتت الأنثى في داخلها، كأنها دفنت معه، وعاشت الحياة بصمت الوتين، وسكتت لغتها، وبقيت معلّقة على مشانق الحروف.
سمية جمعة/سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق