( لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم : تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
----------------------------------------------------
-٢-
زمن يحيى
في الحقيقة لم تكن وردة هي الفتاة الأولى التي تقدم على حرق نفسها في القرية الضائعة،
ففي كل فترة يسمع أهل القرية عن فتاة تقوم بهذا الفعل المروع.
ومنهن من لاتمت لكنها تتشوه وتبقى على قيد الحياة ، ولهذا تكثر في القرية الفتيات المشوهات للسبب نفسه، لم تكن وردة هي الابنة الوحيدة لخالته فتحية،وإنما هي الابنة الكبرى لخمسة أخوات بنات وثلاث إخوة ذكور.
أما وردة فهي ككثير من الفتيات، فقد تعرضت لصدمة عاطفية ،أو بتعبير أدق ؛تعرضت لغدر الحبيب.
فقد أحبت قريبها حمد حبا لايمكن وصفه ،وأخلصت له ، وأيضا كغيرها من البنات أمضت معه أياما وأشهرا وسنوات ،وقد منحته كل مافي إستطاعتها أن تمنحه إياه، بل وسلمت نفسها له طائعة نزولا عند رغبته ،وأخيرا أعطاها وعدا بأن يزور أهلها مع أسرته لطلب يدها بشكل رسمي ،وقد حدد لها يوم الخميس المقبل ، وكان يوم الخميس الذي إنتظرته بفارغ الصبر، لكنها تتفاجأ بأن يوم الخميس ماهو سوا يوم زفافه من أخرى.
* * * * * * * *
لم يدخل يحيى إلى الغرفة التي توجد فيها جثة وردة وذلك يعود لسبب خوفه من مشاهد الموت والأضرحة، كخوفه أيضا من الظلام والثعابين والأماكن المرتفعة والسيول.
كانت وردة مسجاة في وسط الغرفة شبه متفحمة بينما تفوح منها رائحة كرائحة الشواء المحترق.
حاول يحيى التشبث بأمة كأي طفل مذعور ،أمه..تلك الأم التي لم يشعر بحنانها يوما بالرغم من أنها تخاف عليه ، بدافع الأنانية وحب التملك فقط ،وتلك الأم التي يجب أن تكون هي نبع الحنان وملاذ للأمان له ،لكنها دفعته بعيدا وجرت إلى الغرفة وهي تولول وتلطم وجهها وتمزقه بواسطة مخالبها.
لكن كالعادة تلقفته أحضان سميحة التي جرت إليه متلهفة لتأخذه بين أحضانها ليتشبث بها وهي تردد:
- لاتخاف يمه.. لاتخاف ياحبيبي ..بسم الله عليك يمه ؟
وسميحة هي إمرأة جميلة ،تزوجت منذ سنوات من رجل صالح ،يحبها حبا جما وينفق عليها ببذخ ، لكنها عاقر ،وزوجها لم يتزوج من أخرى بالرغم من أنه ميسور الحال لأنه يحبها، فكانت كغيرها من نساء القرية تتمنى أن يرزقها الله بولد أشبه بيحيى.
فأنه لاشيء مكتمل أبدا ،أن الله قد منحها الجمال لكنه حرمها من نعمة الأمومة،
فكانت كلما سمعت عن إمرأة ترزق بولدا أو ببنتا كانت تذرف الدموع مدرارا، دموع الحرقة من شدة الحرمان من أجمل وأعظم ماوهب الله المرأة.
فمنحت كامل عطف أمومتها التي حرمت منها ليحيى الذي إعتاد عليها كما وأنها أمه.
فكلما اشتاق إلى حضن دافىء كان يتذكر صدر سميحة ورائحتها بعكس أمه التي لايعرف رائحتها ولم يسمع يوما نبضات قلبها.
* * * * * * * *
جميع أبناء القرية الضائعة يكلمون فريال بكنية أم يحيى بالرغم من أن له أربعة إخوة ذكور يكبرونه ،وثلاث أخوات بنات ،وأخيه حمودة الذي يصغره.
أما الأخ الأكبر فهو عبدالله ،لكن لاأحد يكلمها بكنية أم عبدالله.
فقد أنجبت فريال "كغيرها" أولاد وبنات من عدة ألوان ؛فيوجد الأسمر والأبيض وحتى الأسود ،وهذا الأسود هو "كريم" وهو يمتاز بجميع المساوىء ويحمل جميع الرذائل،
ويكيد ليحيى ويحيك حوله المؤامرات بسبب غيرته العمياء من جماله ،وكراهيته للونه هو .
"كما وأنه هو الذي خلقه أسودا".
أما عبدالله فهو أبيض اللون ،وسيما لكنه له علاقات غير شرعية متعددة وإنحرافات كثيرة.
وهو أيضا يحيك ليحيى المؤامرات والدسائس ،والمكائد .لكن ليست غيرة منه وإنما ليكسب رضا الأب ويستحوذ على إهتمامه ومحبته له.
فأن الصراع مستمر ولايتوقف بين الإخوة والأخوات ،وذلك يشعر الأب بالنشوة.. والعلي.. والكبر، بالرغم من تفاهته وإنحطاطه ؛وتصرفاته التي تكون حمقاء في أكثر الأحيان.
وحمد الصغير الذي كان أشبه بالبدوي، فلهذا السبب يسخر منه إخوته وأقاربه فينادونه بالبدوي ،وأما زكريا فيطلقون عليه ساخرين منه بالزفر؛راح الزفر ،جاء الزفر " يقصدون زفر الطعام القديم وعفنه".
أما يحيى...
فهو الذي فتن نساء القرية بأكملها وذلك يعود للونه الأشقر، وهو اللون النادر جدا في قرية الضائعة "ولا يحدث سوا في حالة واحدة في قرية الضائعة"، كانت عيناه الزرقاوتان كلوني السماء الصافية،وشعره الأصفر المنساب كشلال الذهب الخالص.
وبالرغم من هوس نساء القرية وفتياتها به إلا أن فريال لا تر ذلك الجمال أبدا ،أو لاتريد أن تراه، وذلك يعود للذكرى التي سبقت حملها به،فهي لم تضمه إلى صدرها يوما ،بل وحتى لم تقبله، وتتحاشا النظر في وجهه أو عيناه الزرقاوتان اللتان يذكريانها دوما بتلك الواقعة.
وكان الأب يشاطرها كراهيتة لأنه يعلم السبب نفسه.
يحيى إبن السادسة من عمره والذي أصبح حلم كل فتاة وكل أم ،فكيف سيحيا وقد كتب عليه أن يكون فتنة للنساء في القرية الضائعة ،المظلمة،
وكراهية ألأب له وحرب إخوته عليه.
* * * * * * * *
بينما كان يحيى يتجول وحده قرب القناة مر به عدد من الصبية الأقارب، قال له أحدهم بحماس :
-يحيى..يحيى فيه عرس ،وكمان شوي بدهم يحمموا العروس تعال بسرعة خلينا نطلع عليها من تحت النسوان؟
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
١٥-١-٢٠٢٤
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق