أرواح حائرة
بداخلي رغبة للكتابة فقط لاغير . أنا ممتلء على بكم هائل من المشاعر و الأحاسيس ، و ضجيج كبير ناتج عن ضغوط الحياة . وجدتك نفسي أمسك بجوال لأكتب اي شيء يجعلني أشعر بالإرتياح .
كان عمري حينها مابين الثمان و العشر سنوات . ألعب من أقراني بحينا الجميل . كانت غابات الموصل قريبة جداً من حينا . و حقل الذرة كان هو الفاصل فيما بينهما . كنت ألعب معهم و لكن ليس لفترة طويلة . كنت أبتعد عنهم عدة أمتار لأكون لوحدي بعالمي الخاص . كان حقل الذره تابعاً لكلية الزراعة والغابات بجامعة الموصل . و الان أصبح حي الشرطة بدل ذلك الحقل . كان حقلاً نموذجي جداً من ناحية تقسيم جداول السقي . كنت أجلس على حافة الساقي و أركز على قاعها . كنت أرى بقاعها حياة كاملة . حصى و طحالب خضراء و صغار الضفادع بوقت التكاثر . أسرح بخيالي لأبعد مستوى . لأبني مستوطنة لطالما حلمت بها .
بعود رفيع و طويل أعدل بعض التفاصيل التي لم أكن مقتنعاً بها .
أعيش حلمي حقيقة . بأني سيد هذا القاع . أزيل الحق ليبنى فوقه ذلك الحي الذي أنهى مملكة أحلامي . أصبحت شاباً و كبرت أحلامي معي .و كبرت معي حدود مملكتي . لكني فقدت الساقي كوجود . مما اضطرني لأبني بعالمي الغير مرئي مملكة لا تحدها حدود . قصور و حدائق غناء و جيش جرار يحمي مملكتي بإستماتة . كان ذلك عصري الذهبي
أنهيت دراستي و انتقلت بعدها للحياة العملية التي كانت كالزلزال الذي دمر مملكتي . بذلك الوقت كان العراق يخوض حرب طويلة مع إيران . كل قنبلة كان تسقط أحد الأعمدة التي ترفع سقف تلك المملكة التي بنيتها منذ نوعمة الأظفار . ما كان يحزنني بأني كنت بقمة عجزي . كنت أشاهد كيف تهدم أركانها تباعاً . لكن غريزة البقاء كان هي الطاغية . الإستمرار كان هو الاولوية بتلك الظروف . لم يكن لون السماء أزرق . كان أسود مائل للإحمرار . كان هناك إعتقاد سائد بأن دماء الشهداء هي من صبغتها بلون الدماء . هذا ما سمعناه من الجدة . هو خرافة أكيد و لكن كلامها كان له وقع كبير بنفوسنا . حينها قررت ان ابني مملكة اخرى ، فكانت مملكة الموت ؟
كانت قصورها تحت الارض . و تبخرت كل الألوان ليتسيد لون الارض . أسوارها من تراب ، وسقوفها مندلسة لتمكن أهلها من النجاة . لا شوارع لا مقاهي لا حقول . و إختفت كوكب الشرق من إذاعتها . صراخ و عويل و دماء تروي حقول الموت بسخاء لتطرح سنابلها و يحصد منجل الإزهاق بشغف . إنتهت الحرب
لنبدأ من جديد ببناء مملكة السعي و التأسيس . لكن تلك المملكة تبخرت بعد ان انهكتنا الحياة . و من العدم صوت ينادي كفاك أحلام
لقد تجاوزت مرحلة الجلوس على حافة ساقية حقل الذرة . و إن كنت عاقلاً إستعد لبناء مملكتك بالسماء . فكان للصوت ما آراد
و انتهت حكايتي مع الاحلام .
لكن صدوقني مازلت أحن لكل شيء .
الأجساد تشيخ
لكن الروح و الاحلام تبقى كما هي الى يوم معلوم .
جاسم آل مهيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق