السبت، 11 مايو 2024

نص نثري تحت عنوان {{عناد الأيام}} بقلم الكاتبة التونسية القديرة الأستاذة{{رفيعة الخزناجي}}


عناد الأيام 
طال انتظارها ، الأيام تمر كأنها جبال على صدرها ، تزداد ثقلا ، وأوجاعا وشوقا وأنينا ، أول المشوار كانت تترقبه ، تترقب عودته ، والآن أصبحت تترقب سماع كلمة "ألو " لا بل تترقب أن يرن الهاتف أو يصدر صوتا يعلن وصول رسالة صوتية أو مكتوبة .تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، وتجري رياح أيامها بما لا تشتهيه هي وبما لا تريده ، ليال ثقيلة وطويلة ،تتمدد كما شريط من المطاط ، الشوق يؤرقها، والحنين يسطو على أوقاتها ، النوم يعاندها هو أيضا ويسرق منها راحة بالها وجسدها ، الظلام أصبح رفيقها الوحيد ليلا نهارا ،فهي لا ترى نور النهار إلا من حين لحين لقضاء بعض الشؤون . طال غيابه أو فراقه ،أو قل هو هجرها ولكن هي لم تستوعب  ذلك  ، لم تصدق أنه قادر على فعل ذلك ، هو رفيق العمر ، ابن الجيران وصديق الصبا والشباب ، رفيق دربها بالدراسة حتى التخرج ، تربطها به علاقة خاصة وجدا ، 
تراه الماء الذي يرويها ، والهواء الذي تتنفسه والتراب الذي سيغطيها ذات يوم بالقبر ، تراه الروح ولا شيء سوى الروح 
وبرحيله تروح معه طبعا وأكيد الروح ، لكنه فعلا رحل ... 
تركها بين مد وجزر ، بين شوق وألم ، نيران تشتعل كما البراكين داخلها ، وحتى العين بخلت عليها فالدمع جف من المقل  ، حزن كسى وجهها والروح والعقل أصبح شاردا وأحيانا مفقودا ، والفؤاد جد جد مجروح ، هكذا هانت عليه نفسها فألقى بها بين الحوافر ، داست عليها بلا رحمة 
كما تدوس أقدام الفيلة كل ما يعترض طريقها ، لم يكترث 
لها ولكبريائها ولا لشموخها و لم يعطي أهمية لكرامتها ،  فهو يعرفها وجيدا ، يعرف أنها لا و لن تنحني إلا للواحد الأحد من خلقها ، وفي أبهى صورة سواها ، كيف اختار لها هذه النهاية و بهذه الصورة الموجعة؟ تبا له ولقسوته ولنكرانه لأروع أيام معها مضت ، صدق من قال  :
" من لم يمت بالهجر مات بشوقه 
تعددت الأسباب ، والعشق واحد " 
صدقا ، لا يعرف الشوق إلا من يكابده ، كل من ذاق والله لوعة الحب وبنيرانه ياويلتي جد اكتوى  ، من تعلق بحب وعشق حتى نسي من هو ومن يكون وصار كشواء على  لهب النيران يتقلب ، لا عرف طعم السعادة ولا بالحب ارتوى ، ولا عاش كباقي الخلق مرتاحا . 
عاندتها الأيام ومزقت أوصالها ، وفرقت بينها وبين من كانت ترى فيه كل آمالها وآمانها ... فقدت العقل و غادرت الأهل وأخيرا عثر عليها بإحدى المقابر  جثة هامدة !

رفيعة الخزناجي /تونس 

#هلوساتي 

ليست هناك تعليقات: