عناد الأيام
طال انتظارها ، الأيام تمر كأنها جبال على صدرها ، تزداد ثقلا ، وأوجاعا وشوقا وأنينا ، أول المشوار كانت تترقبه ، تترقب عودته ، والآن أصبحت تترقب سماع كلمة "ألو " لا بل تترقب أن يرن الهاتف أو يصدر صوتا يعلن وصول رسالة صوتية أو مكتوبة .تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، وتجري رياح أيامها بما لا تشتهيه هي وبما لا تريده ، ليال ثقيلة وطويلة ،تتمدد كما شريط من المطاط ، الشوق يؤرقها، والحنين يسطو على أوقاتها ، النوم يعاندها هو أيضا ويسرق منها راحة بالها وجسدها ، الظلام أصبح رفيقها الوحيد ليلا نهارا ،فهي لا ترى نور النهار إلا من حين لحين لقضاء بعض الشؤون . طال غيابه أو فراقه ،أو قل هو هجرها ولكن هي لم تستوعب ذلك ، لم تصدق أنه قادر على فعل ذلك ، هو رفيق العمر ، ابن الجيران وصديق الصبا والشباب ، رفيق دربها بالدراسة حتى التخرج ، تربطها به علاقة خاصة وجدا ،
تراه الماء الذي يرويها ، والهواء الذي تتنفسه والتراب الذي سيغطيها ذات يوم بالقبر ، تراه الروح ولا شيء سوى الروح
وبرحيله تروح معه طبعا وأكيد الروح ، لكنه فعلا رحل ...
تركها بين مد وجزر ، بين شوق وألم ، نيران تشتعل كما البراكين داخلها ، وحتى العين بخلت عليها فالدمع جف من المقل ، حزن كسى وجهها والروح والعقل أصبح شاردا وأحيانا مفقودا ، والفؤاد جد جد مجروح ، هكذا هانت عليه نفسها فألقى بها بين الحوافر ، داست عليها بلا رحمة
كما تدوس أقدام الفيلة كل ما يعترض طريقها ، لم يكترث
لها ولكبريائها ولا لشموخها و لم يعطي أهمية لكرامتها ، فهو يعرفها وجيدا ، يعرف أنها لا و لن تنحني إلا للواحد الأحد من خلقها ، وفي أبهى صورة سواها ، كيف اختار لها هذه النهاية و بهذه الصورة الموجعة؟ تبا له ولقسوته ولنكرانه لأروع أيام معها مضت ، صدق من قال :
" من لم يمت بالهجر مات بشوقه
تعددت الأسباب ، والعشق واحد "
صدقا ، لا يعرف الشوق إلا من يكابده ، كل من ذاق والله لوعة الحب وبنيرانه ياويلتي جد اكتوى ، من تعلق بحب وعشق حتى نسي من هو ومن يكون وصار كشواء على لهب النيران يتقلب ، لا عرف طعم السعادة ولا بالحب ارتوى ، ولا عاش كباقي الخلق مرتاحا .
عاندتها الأيام ومزقت أوصالها ، وفرقت بينها وبين من كانت ترى فيه كل آمالها وآمانها ... فقدت العقل و غادرت الأهل وأخيرا عثر عليها بإحدى المقابر جثة هامدة !
رفيعة الخزناجي /تونس
#هلوساتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق