السبت، 10 أغسطس 2024

ج(٤٣)من قصة {{لن تشرق الشمس أبدا}} بقلم الكاتب القاصّ الأردني القدير الأستاذ{{تيسيرالمغاصبه}}


 (لن تشرق الشمس أبدا )

       قصة متسلسلة 
  بقلم :تيسيرالمغاصبه 
            ٢٠٢٤
      الفصل الرابع 
--------------------------------------------------------
            -٤٣-
     إنطفاء الشمس

           "الحلقة
           الأخيرة"
        
 تشتد العداوة على يحيى وتحاك الدسائس والمكائد ضده ،وبالرغم من ذلك يشعر برغبة ملحة بأن يزر معظم أهل قريته في بيوتهم ومواقع أعمالهم.. وفي حقولهم ،ويتقرب أكثر من أطفال القرية ويلعب معهم.. ويجلس للتحدث إليهم ،ويمر بالعجوز لتخبز له قريص النار وتفته له بالسمن البلدي وتطعمه بيدها كاعادتها.
بعد أن يترك يحيى العجوز ويذهب  إلى مكان آخر تعترض طريقه عناد أخت سميرو  وتقول له بوقاحة:
-بشوفك إجوزت ثنتين يايحيى..يعني بطلن خواتك  هههههه..آآآخ منك..طيب ليش ماتجوزني وتصلح غلطتك قبل مايكبر بطني وتصير  فضيحه ؟
* * * * * * * * * *
في تلك الليلة يرى يحيى جميع أحبته مجتمعين حوله..سعداء؛ الشيخ عبد الكريم ومريم الصغيرة وأمها رحاب.وسميحة أمه الروحية..وفاطمة أخته الروحية .
جميعهم مجتمعين ..سعداء ،يرتدون ثياب الطهارة الناصعة البياض ،فيقترب منه الشيخ عبد الكريم ووجهه يشع نورا كما الآخرين  ويقول له :
-يحيى..أنا أرى أنه يكفي هكذا ..نحن في إنتظارك يايحيى..عندنا هنا أفضل ؟
فيرد يحيى:
-لماذا لا أنتظر قليلا وأحاول معهم أخي عبد الكريم؟
-لاداعي للمحاولة أخي يحيى..لا أمل يرجى منهم ..هذه قرية أهلها فاسقين .. الله وحده سيتكفل بهم...سننتظرك يايحيى لاتتأخر علينا ..لقد إشتقنا لك ياحبيبنا؟
يفق يحيى من نومه متعرقا فيذهب إلى القناة ويغطس بها .
وبعد أن يغتسل يرتدي ثيابه ويتابع تجواله .
يمر بمجموعة من الرجال كانوا  يشربون الشاي في حقلهم فيقول له أحدهم:
-قوك يايحيى تفضل اشرب الشاي معنا ؟
يذهب إليهم ويشرب كاسة شاي ويقول لهم بحب :
-يخلف عليكو ياجماعه ؟
ويتابع تجواله شارد الذهن ..مشغول البال، 
فيمر برجل يحلب معزاته وما أن يرى يحيى حتى يقول له بسعادة :
-ابن حلال يايحيى والله هسى كنت ببالي ..خذ إشرب معي كوز  حليب ؟
يتناول يحيى الكوز ويقول :
-الله يخلف عليك ويباركلك بحلالك أخوي. 
وأثناء سيره يمر به ولد ويعطه  حبة بطاطا مشوية ويقول له:
-"سحر "بتقول خذ هذه كلها شوتها وزبطتها مشانك؟
يأخذ يحيى حبة البطاطا منه ويقول له:
-شكرا إلك وإلها ..بس مين سحر ؟
-أختي .
فتنظر سحر من مكانها في الحقل وتبتسم له وتقول :
-فيها العافيه يايحيى؟
-شكرا كثير.
تطول طريق يحيى ويلتقي بكثيرين ..ويأكل من طعامهم ويشرب من شرابهم ويدعو لهم. 
وأخيرا يمر من زقاق ينسى أنه  يفضي إلى  منزل تمارة زوجة أخوه زكي فتظهر أمامه لتنظر  في عينيه وقد أدمعت عيناها وقالت له:
-يحيى ..ليش مابطل على عيال أخوك ..كيف بدك إنو الله يوفقك وإنتي قاطع رحم ..عيال أخوك من زمان نفسهم إنك إتزورهم وتوكل معاهم ؟
-معاكي حق..توكلي على الله ياتماره هيني هسى بدي أشوفهم وآكل معاهم كمان ..وإن شاء الله دايما رايح أزورهم وأطمن عليهم.
يدخل يحيى ويجلس بين اولاد أخوه زكي ويكون الطعام متبل بيتنجان،  تدخل تمارة إلى المطبخ وتعد له طبق آخر مع شرائح البندورة والخيار وتقول له:
-صلحت إلك صحن جديد عشان لعيال خبصو بالأكل  ..تفضل صحتين وعافيه؟
-شكرا يسلمو إديكي يختي.
* * * * * * * * * * 
يطول تجوال يحيى في ذلك اليوم مارا بكل مكان يحمل له ذكريات سوى أكانت ذكريات حسنة أو ذكريات سيئة في حياته.
كل ذكريات طفولته ومراهقته؛
هنا رقصت له غروب محاولة جرة إلى الخطيئة.. حتى قبل أن يدرك ماهي الخطيئة.ومن ذلك الطريق اصطحبته عمته إلى منزلها وهناك نالت من طفولته. 
وفي ذلك المكان أقام الشيخ عبد الكريم الحد على المجرم رميا بالحجارة.
وذلك المنزل هو منزل مريم الطاهرة
التي منحته روحها.
وعندما يعود يحيى يمر  بمسجد الشيخ عبد الرؤوف ويصلي جماعة ويقرأ قليلا في المصحف ويتوجه بعد ذلك إلى التلة ليجلس فوق صخرته ليقرأ ويرتل بعض الآيات بصوت عال ،ومن ثم يدعو لزوجته فرح بأن يخفف الله عنها آلام الوضع حيث أنها في الشهر الأخير من حملها.
أخيرا يمسك نايه ويبدأ بالنفخ فيه في الوقت الذي تبدأ فيه آلام المخاض لدى فرح ..كان عرقه يتساقط بغزارة ..فبدأ يشعر بالمغص الشديد الذي لايحتمل فكانت أصابعه تخطىء مواقعها على فتحات الناي .
أخيرا يسقط الناي من يده ويرتفع أنينه مع إشتداد آلامه فيضع يديه على بطنه ويضغط بقوة ويقول محدث نفسه :
-إيش مالني..إيش هاظا المغص..بطني ..بطني ..يالله ؟
فكان الألم يشتد ويشتد بلا توقف.
وفي المنزل تشتد آلام المخاض على فرح في ولادة متعسرة ..وأخيرا تعطي  وصيتها لغادة طالبة منها العناية بابنها يحيى في حال لم تكتب لها النجاة.  
يحاول يحيى المشي و العودة إلى منزله فيمر بالساحة ليراه الجميع وهو يمشي مترنحا كما وأنهم كانوا ينتظرون تلك اللحظة.
يقع يحيى على الأرض ليتعفر بالتراب ..يخرج سرور من بين الناس ويجري إليه صارخا :
-ياحبيبي يايحيى..إيش مالك ياحبيبي يايحيى؟
فيحتضنه ويجهش بالبكاء وهو يستغيث :
-ياجماعه ليش واقفين بتتفرجو جيبو لسعاف ياجماعه..دخليكو إتصرفو بسرعه؟
يحضر مأمون ويقول لسرور :
-خليك معه ياسرور على بين ماأجيب الإسعاف ؟
-بسرعه يخوي يامأمون بسرعه؟
وكانت تمارة تقف بين الجموع وتذرف الدموع بغزارة على ماأصاب يحيى .
أما في منزل يحيى فكانت فرح في لحظات الوضع القاسية ..المتعسرة.. تصرخ حتى يختنق صوتها.
ماأن يصل الأطباء حتى ينطق يحيى الشهادتين، وينفث الكبد من فمه ،فيقول الطبيب :
-يحيى مسموم ؟
ويموت يحيى..
وفي اللحظة ذاتها تسلم فرح الروح إلى بارئها تزامنا مع إرتفاع الصرخة الأولى ليحيى الصغير.
* * * * * * * * * *
وهكذا يموت يحيى مسموما..وتموت زوجته فرح في نفس اللحظة وهي تضع ابنهما.
ولكن ياترى  من الذي قتل يحيى ..من الذي وضع له السم في طعامه أو في شرابه ؛لاأحد يعلم .
يموت يحيى وفرح  ولم يمشي في جنازتهما سوى ثلاثة من أهل  القرية.. هم الشيخ عبد الرؤوف ومأمون وسرور.
ومن ورائهم مشى جميع أطفال القرية. 
ويدفنا إلى جانب بعضهما.
* * * * * * * * * *
تتولى غادة تربية يحيى الصغير ،أما  مأمون فيحمل حقيبته متخذا قراره  بترك القرية  والمغادرة بلا رجعة ليعيش في المدينة بصورة دائمة.
لكن وما أن يبتعد عن حدود القرية حتى يداهم القرية أكبر وأقوى فيضان متسببا بأنهيار جسر الموت تماما..
مشكلا مكانه بحيرة ملحية تساوي مساحتها مساحة ثلاث قرى مجتمعة  ليفصل بذلك  القرية عن المدينة.
يتحدث المختار إلى العضوات فيقول :
-وهي يحيى مات ..بس خرب القريه وراه قبل مايموت؟
-يعني فكرك الحكومة بتفتح إلنا طريق للمدينه  ؟
-أيوه هي بتفتح بس إيمتى بتفتح .. لما أزغر بنت من بنات ولدي تكبر وإتصير جده.
* * * * * * * * * * * 
تقترب عقارب الساعة من الرابعة عصرا ..فتتوارى الشمس وراء الجبال  الصخرية تمهيدا لتحيل القرية  إلى ظلام دامس .
ياترى هل ستشرق الشمس ثانية بعد أن أطفأت تماما .
 يظهر ظل العجوز الطويل جدا وهي تتجول في الساحة مرددة:
-كتلوك يايحيى..كتلوك الملاعين ..كتلوك عمنك نظيف وطاهر وهمه إتعودو على النجاسه ..ياويلي عليك ياوليدي ..ياحسرتي عليك وعلى شبابك ياوليدي ..الله يسخطكي ياقرية أم الملح ..الله يسخطتكي ياقرية أم الملح؟
أما سرور فكان يجوب أزقة الحارة ويردد:
-وينك ياسيل ..تعال وإدمل القريه  ..وينك ياسيل ..تعال وغرق القريه كلها ..وينك ياسيل ..وينك ياسيل....ياسيل..ياسيل...سس...

" يخيم الظلام الحالك ويستمر الصدىء..."
سس...................
سس...................

* * * * * *  الخاتمة * * * * * * * *

يخرج يحيى الصغير الذي كان صورة عن أبيه للتجوال قرب القناة ..تطل غادة ..مربيته وأمه الروحية وتقول مناديه:
-يحيى؟
-إيش يمه .
-لاتبعد كثير يمه ياحبيبي طيب؟
-طيب يمه.
يتنزه يحيى مستمتعا بالبساتين والحقول الشاسعة والماء والخضراء..تراه فتاة وهي  تحمل جرتها فتقول :
-حبيببي يحيى؟
 تضع جرتها على الأرض وتقترب منه محاولة تقبيله على فمه لكنه يغطي فمه بكفه ويحني لها خده لتقبله ..فتقبله بشغف. لكن ماأن ترى الشيخ عبد الرؤوف حتى تتركه وتحمل جرتها وتذهب.
يقترب الشيخ عبد الرؤوف منه ..يمد يده مصافحا .. يصافحه يحيى .. يرفع الشيخ عبد الرؤوف يده ويقبلها على ظهرها وقد كان ينبهر يوما بيوم بجماله الساحر.. فيقول له :
-كيف حالك يا يحيى؟
-الحمد لله سيدنا الشيخ.
-إنتي يايحيى بتعرف  النبي يوسف ؟
-آآه طبعا بعرفه..هو النبي الجميل ؟
-ماشاء الله ..إنتي بتشبهه يايحي .
يرد يحيى بخجل وتحمر وجنتيه:
-أنا..؟
فيضحك يحيى ويقول الشيخ عبد  الرؤوف:
-ماشاء الله ..إنتي شو صفك يايحيى؟
-أول إبتدائي. 
-بتعرف شو هي صورة الإخلاص؟
-آه بعرف .
-طيب ياشاطر احكيلي شو هي؟
-قل هو الله أحد .
-ماشاء الله .
-طيب شو بدك إتصير لما تكبر ؟
-بدي أصير معلم دين "أي تربية إسلامية"؟
-ماشاء الله؟
ثم يقبله على رأسه ويتابع طريقه ويقول وهو ماشيا :
-الله يحفظك بحفظه يايحيى. 

          ( تمت الرواية)
تيسيرالمغاصبه 
٢-٨-٢٠٢٤

ليست هناك تعليقات: