من سلسلة " أصوات في العتمة " للكاتب : إدريس ابورزق
الحلقة السابعة : حين تعرف الحقيقة متأخرًا جدًا
أحيانًا، تكون الحقيقة أمامك طوال الوقت، واضحة، مكشوفة، تصرخ في وجهك، لكنك لا تراها. أو ربما، لا تريد أن تراها.
قضيتُ سنوات وأنا أصدق القصة التي رُويت لي. قصة العائلة المثالية، الأب الحنون، الأم الصبورة، الحياة التي لم يكن ينقصها شيء. كنتُ أعيش داخل إطار جميل، مزيّن بألوان دافئة، ولم أسمح لنفسي أبدًا بأن أنظر خارج اللوحة.
لكن الحقيقة... الحقيقة كانت تنتظرني بصبر، تنتظر اللحظة المناسبة لتكشف عن وجهها القبيح.
بدأ الأمر بصور قديمة، وجدتُها مصادفة أثناء تنظيف المنزل. في البداية، لم أفهم لماذا أثارت اضطرابي. كانت مجرد ذكريات محفوظة داخل ألبوم متآكل الأطراف، لكنها بدت خاطئة بطريقة غريبة، كأن شيئًا ما فيها لا يتناسب مع القصة التي عشتها.
في إحداها، كان والدي يقف بجانب امرأة لم أرها من قبل، يمسك يدها بطريقة لا يفعلها شخص متزوج سعيد. في صورة أخرى، كان هناك طفل صغير يقف بجانبه، لكن ذلك الطفل لم يكن أنا.
أدركتُ حينها أنني لا أعرف شيئًا.
حين واجهتُ أمي، نظرت إليّ طويلًا، ثم ابتسمت ابتسامة متعبة، وكأنها كانت تنتظر هذا اليوم. لم تنكر، لم تحاول أن تبرر. فقط قالت بهدوء:
"أردتُك أن تعيش حياة طبيعية، دون أن تضطر لحمل هذا السر."
لكن الحقيقة، حين تتأخر، تصبح قاسية أكثر مما يمكن احتماله. لم يكن والدي الرجل الذي ظننته. لم تكن حياتي كما تصورتها. كنتُ أعيش في كذبة محكمة، والغريب أنني كنتُ أشعر بالأمان داخلها.
لكن الآن، كل شيء انهار. والسر الذي لم أكن أعرفه، أصبح الحقيقة الوحيدة التي أراها أمامي.
أحيانًا، الحقيقة لا تحررك... أحيانًا، تكسرك فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق