" اثنتا عشرة درجة هبوطًا"
ها أنا ذا أهبط،
سُلَّمٌ من ظلالٍ متكسّرة،
إلى قاعٍ يئنُّ بصمتٍ أعمى.
خطواتي تسيل كحبرٍ على ورقٍ مبتلّ،
أجرّ قدري كجسدٍ يتدلّى من غصنٍ يابس،
وأعبر بين أعمدة الصمت المشروخة،
حيث لا ينبت الضوء إلا كجرحٍ قديم.
ريحٌ تلهث في مسامِّي،
تقتلع آخر ملامحي من مرايا الأيام،
تمحو خطاي كأنني لم أعبر يومًا،
تذروني كرماد ذاكرةٍ خانها الزمن.
وجوهٌ تقتات على ظلِّي،
تُشرّحني بأعينٍ لا تعرفني،
أنزف من فجوات النسيان،
وأتلاشى كذرّة غبارٍ تاهت في زوبعةٍ عرجاء.
أسمع وقع أنفاسي في الفراغ،
كأنني الصدى الأخير لصوتٍ لم يُولد،
أحاول القبض على وهمي في الهواء،
لكن يدي تتلاشى كحلمٍ هشّ.
ليلٌ يتمدَّد داخل عينيّ،
كأنَّه ماردٌ استيقظ من غيبته،
أرى نفسي تنحسر كشاطئٍ لفظه البحر،
كطيفِ مدينةٍ سحقتها الرمال.
الأبواب موصدة في وجهي،
والمفاتيح تتكسَّر عند أطراف أصابعي،
كأنَّ الزمن يشدُّ وثاقي،
ويرميني إلى هاويةٍ بلا قرار.
أفكاري جثثٌ تترنَّح في رأسي،
أحملها كأثقال قيدٍ لا ينكسر،
أحاول دفنها في التلاشي،
لكن الأرض ترفض موتها.
المكان يضيق حولي،
تتقوّس الجدران كضلوعِ ميّتٍ يضمه القبر،
أصرخ، ولا يسمعني إلا الفراغ،
أتلاشى بين زوايا الانكسار.
هنا ينهار المعنى،
تتساقط الكلمات كورقٍ محترق،
يتفحّم الحرف في لهب الصمت،
ولا يبقى إلا الفراغ.
عيناى غارقتان في عتمةٍ باردة،
أبحث عن ظلِّي ولا أجده،
أسمع صرير الزمن وهو يطويني،
كصفحةٍ أخيرةٍ في كتابٍ احترق.
أشعر بجسدي يتفتَّت كزجاجٍ مسنون،
تسيل أجزائي على الأرض بلا صوت،
تذوب مع التراب كذكرى منسيّة،
كأغنيةٍ لم يكتمل لحنها.
آخر ما تبقّى منِّي ظلٌّ مهشَّم،
يتلاشى كطيفِ نجمةٍ ابتلعها السواد.
لا صعود بعد الآن،
لا شيء سوى العدم.
بقلم دنيا محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق