السبت، 28 يونيو 2025

مقال تحت عنوان{{الفراغ… بين العلم والفلسفة والإيمان}} بقلم الكاتب العراقي القدير الأستاذ{{أحمد الموسوي}}


 الفراغ… بين العلم والفلسفة والإيمان


أجلس أحيانًا مع نفسي، وأسأل: ما هو الفراغ؟
تأتي صورة الوقت الصامت، اللحظة التي لا يشغلها أحد ولا شيء.
بصراحة، لم أعد أراه كما كنت أراه قديمًا: عبء أو علامة كسل.
بل بدأت أقرأ فيه شيئًا آخر.

العلم يقول لنا حتى هذا الفراغ الكبير، الفضاء نفسه، ليس خاليًا أبدًا.
هناك أمواج طاقة، وجسيمات صغيرة لا نراها، تدب في كل مكان.
في الذرة، 99% من الحجم فراغ، ومع ذلك منها بُنِي الكون كله.
أفكر أحيانًا: يمكن للفراغ أن يحمل قوة هائلة، لا نشعر بها، لكنها تخلق من اللاشيء كل هذا الوجود.

من جهة ثانية، لاحظت أن الناس يخافون الفراغ.
أحيانًا أكون في مكان مزدحم، وأرى الجميع يحاول أن يملأ وقته بأي شيء: هاتف، حديث، ضحك.
ربما لأن مواجهة الفراغ تعني أن نواجه أنفسنا، بلا أقنعة ولا ضوضاء.
الفلاسفة كتبوا كثيرًا عن هذا، ووجدت في كلماتهم معنى:
الفراغ ليس وحشة، بل فرصة.
هو الوقت الذي نسأل فيه الأسئلة الكبيرة: من أنا؟ لماذا أنا هنا؟

أعود للقرآن الكريم.
أقرأ قوله تعالى:
﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾
وكلما وقفت عندها، أتذكر أن الله يدعونا للعمل بعد العمل، وألا ندع الفراغ يضيع هباء.
وفي ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾
أشعر أن الليل بفراغه ليس مجرد غياب للنور، بل هو مساحة للسكينة، للتأمل، للشكر.

وعن النبي عليه الصلآه والسلام وعلى اله وصحبه وسلم :
“نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.”
أعود لأسأل نفسي: كيف أستثمر فراغي حقًا؟
وجدت الجواب بسيطًا:
أجلس مع نفسي بلا هاتف.
أحاول أن أسمع صوت روحي، لا أصوات الناس.
أفتح مصحفًا أو أكتب فكرة.
أحيانًا أزور أمي أو أبعث رسالة ود لشخص بعيد.
وفي هذه اللحظات البسيطة، شعرت أن الفراغ صار مصدر إلهام، لا عبء.

كنت أعود يومًا متعبًا من العمل، ولا أرغب في أي شيء.
تركت كل شيء وجلست في زاوية الغرفة بلا حركة.
أدهشني أن عقلي بدأ يستعيد ذكريات جميلة، وتخطر لي أفكار جديدة لمشاريع صغيرة…
خرجت من تلك الجلسة وأنا مرتاح، ووجدت في داخلي طاقة لم أكن أظن أن الفراغ يمنحها.

الفراغ ليس عدوًا كما تصورنا.
هو حقل نزرع فيه أفكارنا الجديدة، وهو اللحظة التي تعيدنا إلى ذواتنا وإلى الله.
كل ما علينا أن نحترم تلك اللحظات ونحسن استثمارها.
فلنختر لأنفسنا كيف نملأها: بذكر، بقراءة، بعمل بسيط، أو حتى بصمت فيه معنى.

وفي النهاية…
أدعوك أن تجرب بنفسك:
خصص لنفسك اليوم عشر دقائق من الفراغ. أغلق كل شيء من حولك. اجلس بهدوء، واسمع قلبك قبل أن تسمع العالم.
ستكتشف في هذا الفراغ ما لا تكتشفه في الزحام.
ومن فهم أسرار الفراغ، فهم أسرار نفسه والوجود.

مع محبتي،
أخوكم
✍️د. أحمد الموسوي
جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 
٢٧/٠٦/٢٠٢٥

ليست هناك تعليقات: