السبت، 14 يونيو 2025

نص نثري تحت عنوان{{صحراءُ يأسٍ ومَطرٌ لا يَأتي}} بقلم الكاتب اللبناني القدير الأستاذ{{محمد الحسيني}}


خمس مقاماتٍ في الشوق

4– مقامُ الفَقْدِ المُقيم
"صحراءُ يأسٍ ومَطرٌ لا يَأتي"

حينَ يَغيبُ مَن نُحِبّ،
لا يُخْلي المكانَ فقط... بل يُطفئُ الزمانَ أيضًا،
يتركُ فينا مساحةً لا تُشبهُ الفُراغ، بل تُشبهُ هوّةً تنزلقُ فيها أرواحُنا على مَهَل،
فتبدأُ الحواسُّ في النُّواح، وتتكلمُ الأشياءُ الصغيرةُ بلُغةِ الغياب...

الحُزْنُ يَغْمُرُ كَطُوفانٍ أزليٍّ،
يُغْرِقُني بأعماقٍ لا قَرارَ لها...
حيثُ لا نورٌ يَصِلُ،
لا صوتٌ يُسْمَعُ،
لا أستطيعُ التَّنَفُّسَ، فالهواءُ صارَ ثقيلاً كالرَّصاص...
لا أستطيعُ الأكلَ، فالطعامُ صارَ مُرًّا كالعَلْقَم،
لا أستطيعُ النَّومَ، فالأحلامُ صارتْ كوابيسَ مُؤْلِمَة.

كلُّ شيءٍ يُذكِّرُني به،
القهوةُ التي كانَ يحتسيها... كطَقْسٍ مُقَدَّس،
الموسيقى التي كنّا نَسْمَعُها معًا،
الكرسيُّ الفارغُ على المائدةِ الذي...
صارَ عَرْشًا لِلصَّمْت،
والبُقْعةُ في الفِراشِ، حيثُ كانَ جسدُهُ يحتلُّ مساحةً من الدِّفءِ...

أبكي... حتى تَجِفَّ يَنابيعُ الدُّمُوع،
أبكي بِعَيْني، وبقلبي، وبروحي،
أبكي الماضيَ الجميل، والحاضرَ المُؤْلِم، و... المُستقبلَ المجهول...

الوَحدةُ تُحاصِرُني كَضِباعٍ جائعة،
تلتهمُ ما تبقّى منِّي... قِطعةً، قِطعة،
أتحدّثُ معه كأنّه جالسٌ أمامي،
أحكي له عن يومي... كأنّه يَستمع.

أنتظرُ ردَّهُ الذي لن يَأتي،
كمن ينتظرُ المطرَ في صحراءِ اليأس،
والحزنُ يَسكنُني كنهرٍ يَجري في شرايينِ القلبِ المكَسور...

✍️ محمد الحسيني
من مقامِ الفَقْدِ المُقيم...
حيثُ انتهى البكاءُ، وبدأَ الصَّمْتُ يُرَبِّتُ على كتفي،
أُمسكُ يدَ الغيابِ، لا لأُعيدَه، بل لأُصالِحَ ما تركَهُ داخلي،
فليسَ كلُّ مَن رحلَ عنّا... غادرَ أرواحَنا تمامًا،

بعضُهُم يسكنُنا بسلامٍ أَخير . 

ليست هناك تعليقات: