الأحد، 22 يونيو 2025

قصيدة تحت عنوان{{بائِسٌ يَندُبُ أُمَّه}} بقلم الشاعر المصري القدير الأستاذ{{محمد رشاد محمود}}


(بائِسٌ يَندُبُ أُمَّه) - (محمد رشاد محمود)
كانَ ذلِكَ في إبريل من عام 1980 وقد رُحتُ أضرِبُ في شوارِع الرَّمادي بالعراق  في هزيعٍ متأخِّرٍ من الليل ، بعد أن ظللتُ أقرعُ بابَ الفندقِ الذي أودَعتُ فيه جواز السَّفَر محاولًا إيقاظَ راعِيه حتَّى استَحيَيتُ ، ووجدتُني لقًى على الطريق أمامَ جهامٍ يتَرَصَّدُالسائِحَ ويُمسِكُ بخناق النَّفس وسماءٍ تكادُ تُطبِقُ على الأرض ، لولا غمزات نجومها ، ولم يكُ بُدٌّ من التطوافِ حتّى يمتَعَ النَّهار ، في تَرَصُّد من سيَّارات الشُّرطة وتَجَهُّم المارَّة ، واسْتَشعَرتُ حينها مرارَة العجز ، وتلَبَّستُ حالَ البائِس اليتيم يضيعُ بعَوزِهِ في غمَّاء ذلك العالم الكبير والمُقَيَّد الراسِف يستشرِف الفكاكَ من القَيْد ، وبعدَ لأيٍ أطلَّ الصباحُ بوجهِه  وفي جيبي قصيدَةً استعَنتُ بِدَندَنَةِ أبياتها على جهامَة الظُّلمَةِ ورتابَة السُّكون ، كانَ منها هذه النَّبضات :
نَجمَــــــةً يَـــا أُمُّ نَجمًــــا 
قَــد رَمَـــقْـتُ الأنجُمَــــــا
غَاضَ مِنِّي الـبِشْـرُ يَا أُمــ
ــمُ ولَـــم يَـجْفُ السَّـــــما
نامَ حَولي الـكَـونُ يا أُمْـــ 
ــمُ وَوَحْـــدي لَــــمْ أَنَـــمْ
أسْـأَلُ الـظَّلْمَـاءَ عَنْ حِصْـ
ــني وأَسْتَجْـــدي العَــدَمْ
أَيْــــنَ يـــا أُمَّــــــاهُ وَجْـهٌ
مِنْــكِ يُــذري بـِالشَّـجَـنْ ؟ 
أَيْــنَ يَــــا أُمَّــــاهُ حضْنٌ
أتَّـقِي فِيــــهِ المِـــــحَـنْ ؟
مِنْ وَرَاءِ الــدَّمْـعِ يـا أُمْــ
ـــمَاهُ أسْتَجلِــي سَـنَــــاهْ
شَـاكِــيًا مِنْ ظُلْـمَةِ الـدُّنْـ 
ــيَــا وَمِنْ ظُلْـمِ الحَيَـــاهْ
كَيْــفَ صَاحَ البُؤْسُ فَظًّا
كُـــنْتُ لِلـبُــؤْسِ صَــدَى
لَــيْتَني كُــــنْتُ هَـــــبَاءً
لَــيْتَـني طَـوْعُ الــــرَّدَى
يُقْبِـــلُ العِيــــدُ ونَوْحِي
بَيْـــــنَ أَتْــرابِي وَحِيــدْ
لَهـوُهُـم لِـي مُـحْرِقٌ يَــا
أُمُّ والكَــــرْبُ شَــــدِيــدْ 
كُلُّهُـــم قَـد زَفَّــــهُ لِلسَـــ
ـــسَــــــــعْــــــدِ أُمٌّ وَأَبُ
وَاَنــا في العِيدِ يَـــا أُمْـــ
ـــمَــاهُ يُتْمِـــي مُـــذْنِـبُ 
لَوعَتِي فِي القَلْبِ لا تَخــ
ـــبُـو وشَـــوْقِي دَائِـــــمُ
هَــــدَّ مِنِّي الـنَّـأيُ نَعمَــا
ئِـي وَكَـــــــرْبي قَـائِــــمُ
آهِ يَـــا أُمَّــــاهُ يَـــا أُمْـــ 
ـــمَـــاهُ يَــــــا أُمَّــــاهُ آهْ
بَـاطِلٌ ذا العَـيْشُ جَهْــمٌ 
بَـاطِشٌ شَـــوكٌ جَنَـــــاهْ
أَشتَكِـي البَلـوَى وأبْكِــي
لَيْسَ مَنْ يَبْكِـــي مَعِـــي
تَضْحَكُ الدُّنيَـا وكَـــرْبي
عَــــاصِـفٌ في أَضْلُـــعِي
وَيَـرَاني النَّـاسُ لا يَكْــــ
ـــفِيهِــــمُ أنِّـــي فَقِيــــرْ
إِذْ بَلَــــوْا بَعْـــدَ اغْتِــناءٍ
فــاقَةً كُـــنْـتُ النَّذيــــرْ
كَــــمْ كَـــبِيرٍ مِنهُـــمُ قَدْ
كــانَ بِالبَــطْشِ صَغيـرَا
يَجتَــوي نَفْـعِي وَيُلْــفِي
مَطْلَــبي المَأوَى كَبيـــرا
وثَـرِيٍّ غَــــلَّ عَـنِّي الـــ
ــمـالَ واسْتَحْلَى دَمِــي
مُتْخَــمٍ دُوني وجُــوعِي
نَـــاخِــرٌ فِي أَعْـــظُمِـي
نَجْمَــةً يَــــا أُمُّ نَجْمًــــا
قَــدْ رَمَــقْتُ الأَنْجُمَــــا
غَاضَ مِنِّي البِِشْرُ يا أُمْـ 
ــمُ ولَــمْ يجْفُ السَّمَـــا
فارِيَـــاتٌ هُـــنَّ يَــا أُمْــ 
ـــمَــاهُ مَــــوْجَ الغَلَـــسِ
وَدُجَى الحَــــوْباءِ لا يُفْـ
ـــرَى بِضَـــوْءِ الـقَبَـــسِ
خَــاطِـري يَــــا أُمُّ قَرحٌ
في حَشَى الصَّدْرِ خَطِير
أُبْصِرُ الكَـــوْ نَ فَيَــدجُو
في رُؤَى نَفسِي المُنيــرْ
أيْــــنَ أيَّــــامٌ تَقَـضَّــتْ
جَاهـلًا فيهَــا السُّمُـومْ ؟
غَابَ عَنْهَـا السُّهدُ وانْجَا
بَــــتْ شَقاوَاتُ الهُـمومْ
كُـنْتُ كَالعُصفُورِ أَلْهُــــو
مِــنْ بسَـــــاطٍ لِـــفَنـَـنْ
غَافِلًا عَنْ نَكْـبَةِ الـدُّ نْــ
ــيَـا وبَأسَـــــاءِ الزَّمَـــنْ
ارْجِـعِي يَــــا أُمُّ تَـرْجِـعْ
لِــلدُّنـــــا رُوحُ الـحُبُـورْ
طَيْفُــكِ الخافِي رَجَائِي
فِيــــهِ بُرئِي لَــــو يَزُورْ
رَحْمَـةُ اللهِ لَــدَى ذا الــ
ــقَبْــرِ مِنْ بَيْـنِ القُبُــورْ
فِيــــهِ مَنْجـاتي ورُكني
فِيــهِ خَفْضِي والسُّـرورْ
لاعِجِي قَدْ هَـاجَ يَا أُمْــ
ــمَاهُ والخَفْـــضُ رَقَـــدْ
مِنْ ضَبَابِ الـدَّمْعِ أَرْنُـو
غَيْــرَ غَافٍ مِنْ كَــــمَدْ
نَجمَـــةً يَـــــا أُمُّ نَجمًــا
قَـــدْ رَمَــقْـتُ الأنْجُمَـــا 
غَاضَ مِنِّي البِشْرُ يَا أُمـْ
ـــمُ ولَــمْ يَجفُ السَّـــما

(محمد رشاد محمود) 

ليست هناك تعليقات: