سـارية 3
"الريح تمشي بساقين"
ثيابها تتشابك أوراق الشجر،
كأن الغابة ترتب فوضاها على قياسها.
عطرها ليس عطرًا، بل فتيل يشعل أنفاس الأرض،
وخطواتها تسبق البرق، وتدهش الرعد.
لم تعلن أنها العاصفة،
لكن الغيم انحنى لها،
والنهر انسحب خجلًا من مائها.
كانت تحمل نظرة تهز الشرفة،
وصوتًا يشبه ارتطام الفؤوس بجذع الحنين،
تقتحم المكان بلا استئذان،
كأنها تعرف الوجع الساكن تحت المقاعد،
وتجيد فتح النوافذ التي أغلقها التعب.
في حضورها،
أوراق تنسى اصفرارها،
والصمت يصبح له فم ينطق.
هي الريح التي لا تجري،
لكن تمشي…
تمشي بساقين،
تعانق الأرض بخفة قدم،
تختار الأماكن التي يُسمح لها بأن تتوقف،
وترفض أن تُجبر على الهروب.
لم تكن تهدأ،
بل تترك في الهواء خيوطًا من الترقب،
وفي القلوب أثرًا لا يُمحى بسهولة.
سارية لا تهزّها الريح،
بل ترقص على إيقاع جنونها.
✍️ محمد الحسيني ــ لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق