الأحد، 20 يوليو 2025

مقال تحت عنوان{{العقل العربي بين خداع السياسة وزيف الحقائق}} بقلم الكاتب العراقي القدير الأستاذ{{أحمد الموسوي}}


 العقل العربي بين خداع السياسة وزيف الحقائق


بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على من علّم الإنسان ما لم يعلم، وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار، وبعد:

يا صاحبي، إنّ مما يعتصر له القلب أسىً، أن ترى الساحات العربية والعالمية اليوم تضجّ بأصواتٍ متضاربة، ودعاوى متناقضة، حتى غدا الحقّ فيها غريبًا، وأصبح الباطل يتزيّن بألف وجهٍ وقناع.
ألم يقل الأقدمون: “من مأمنه يُؤتى الحذر”؟ ولعلّهم كانوا يحدّثوننا عن هذا الزمان، حيث يُصوَّر للناس في ردهات السياسة ما ليس من الحقيقة في شيء، وتُباع الأوهام في أسواق الإعلام كأنها الحقّ المبين.

لقد كتب الأديب البريطاني جورج أورويل في روايته الشهيرة “1984”:
“السياسة هي فن الكذب على الجماهير.”
وإنه لكلام يختزل الواقع، لا سيما في عالمٍ اختلط فيه الأبيض بالأسود، وغدا فيه العقل العربي نهبًا للأراجيف والشائعات.

أما نحن العرب، فقد علّمنا التاريخ أنَّ “ليس كل ما يُقال يُصدّق، ولا كل ما يُسمع يُؤخذ به.”
وفي تراثنا عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:
“الناس أعداء ما جهلوا.”
فكم من فكرةٍ زُيّنت في أفواه السياسيين حتى غدت سيفًا مصلتًا على رقاب المساكين!
وكم من كلمةٍ قالوها باسم الوطن، فإذا هي خديعة تُمرَّر من وراء الستار!

وقد حذّر النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم من تصديق كل ما يُسمع دون تمحيص، فقال في الحديث الشريف:
“كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع.”
[رواه مسلم]
فأي بيان أبلغ من هذا التحذير النبوي، الذي يُلزمنا جميعًا بالتثبت والتعقّل وعدم الاندفاع خلف الأقاويل والأراجيف.

وفي هذا المقام، نستضيء بنور القرآن الكريم، إذ يقول الحقّ سبحانه:
﴿فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].
أي أن الواجب على العاقل أن يتحرّى، وألا يكون إمعة، يتلقّف الأخبار دون تمحيص، فليس كل ما يروَّج في دهاليز السياسة صحيحًا، بل إن معظمَه خداعٌ واستغفالٌ للعقول.

ولم يكن الصحابة الكرام إلا قادة للحكمة والوعي، فهذا الصديق أبو بكر رضي الله عنه يقول:
“احرص على الصدق فإن فيه النجاة، ولا تحقرن من القول باطلًا، فإن الباطل يصرع أهله.”
وأما الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد رُوي عنه قوله:
“عليكم بذكر الله تعالى، فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء.”
والمقصود هنا: أن كثرة الخوض في الحديث عن الناس وأقوالهم من غير بينة يُورِث القلب مرض الشك والتضليل.
أما ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه فكان يقول:
“ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه.”
وكأن في قوله حكمة جليلة: أن الزيف مهما تزيّن، فإن الحقيقة لا بد أن تشرق من بين ركام الخداع، فاحرص أن يكون قلبك صافياً، ولسانك صادقاً.

وليس بعيدًا عن هذا المعنى ما قاله القس المسيحي العظيم مارتن لوثر كينغ جونيور حين أطلق حكمته الشهيرة:
“الظلم في أي مكان هو تهديد للعدالة في كل مكان. نحن محاصرون في شبكة لا مفر منها من العلاقات المتبادلة، أي ظلم يصيب فردًا في العالم يصيبنا جميعًا بطريقة غير مباشرة.”
وهكذا، فإن الزيف أو التضليل في بقعة من الأرض سرعان ما تنتشر آثاره في المجتمع الإنساني كله، فالحقيقة مسؤولية كونية، وموقف كل منا منها يحدد مصير أمتنا.

قال الحكيم الصيني كونفوشيوس:
“الحقيقة لها وجه واحد، أما الباطل فله وجوه كثيرة.”
وهذا القول وإن جاء من الشرق الأقصى، فهو اليوم أدق ما يصف واقعنا. إذ ترى الحقَّ يتوارى، بينما يتكاثر الباطل بأشكال شتّى، بين التصريحات، والصفقات، والقرارات.

أيها القارئ الكريم،
لقد بتنا نعيش عصر “التضليل المنظّم”، حيث باتت الحقائق تُقص وتُلصق، وتُعاد صياغتها، وتُباع وتُشترى في مزاد المصالح الدولية.
فلا تغرّنّك الشعارات البراقة، ولا تلهينّك الألوان الزاهية.
قف دائمًا بين السطور، وابحث عن النور خلف دخان الكلمات.
واعلم أن العقل العربي، حين يصحو من غفلته، يكون أقدرَ الناس على كشف الزيف وإدراك الحقيقة.

وفي الختام، أسأل الله أن ينير بصيرتنا جميعًا، ويوفقنا للتمييز بين الحقّ والباطل، وألا يجعلنا من أولئك الذين قال عنهم القرآن:
﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: 179].

فيا ليت قومي يعلمون…

وتقبلوا وافر تقديري واحترامي،
✍️المستشار الدكتور أحمد الموسوي/العراق

جميع الحقوق محفوظة للدكتور أحمد الموسوي 
بتأريخ 07/19/2025

ليست هناك تعليقات: