رحلة إلى جهةٍ
اخرى
رجلٌ في المحطة يهزي
بالكلام
إختلافٌ بالعناوين على منحدارت اللاوقت
بصورة الغياب المبتكرة
يقول الرجل ترددت على محطة القطار
لسبعين عامٍ
فجئت أودع تلك الذاكرة المسافرة على
دروب الذكريات
عابرون كثر كانوا يمرون سريعاً في المحطة
أمامي و هم راحلون
و عائدون كثر كانوا يستقبلون بحفاوتهم
عودة الغرباء
و أنا أنا البعيد مازلت أجلس لساعات طويلة
هناك على مقعدٍ خشبي أراوض
انتظاري الطويل
بيدي جريدة قديمة أقرأ فيها أسماء الراحلين
و أتفحص من خلالها وجوه كل
العابربن
و كل العائدين من السفر البعيد و أمدغ
كل الضجر
فلا أجد وجهي هناك لينتظرني بالكهل فأحضنه
مثل كل المستقبلين الآخرين
أجلس لساعات طويلة و ساعات أجس نبض
الفراغ و روح الوحدة المقتولة
و لا أملك تذكرة للسفر لذاتي القديم و لا عندي
موعدٍ لألقاه هناك
تركت بيتي القديم و كل أشيائي و طريقي
نحو طفولتي و وسادتها المبللة
بعطرها برائحتها
تركت كل ذكرياتي بوجعي و كل عناوين
السنين
و صرت أنتظر من صورة العدم آخري
الشخصي
فربما يعود من جرحي و يعبر بي لآخر
الحكايات لآخر النهايات
فينزل من إحدى القطارات العائدة ليدفئ
روحي المتهالكة
فكم مضى من الوقت على انتظاري في هذه
المحطة فلست أدري
و لكني معتادٌ أنا على مر الإنتظار
و متعادٌ أنا على الإنفجار في لحظات
الكلل
فمازلت أراقب الوقت بكل ثانية و أتنهد كغائبٍ
مريض عن الحضور فلا حضورٌ لي
بجسد الحياة
أسمع صوت موظفة تتكلم عن قدوم رحلةٍ
اخرى فأحلم من جديد في
السراب
أنا في محطة الرحيل لوحدي أجسُ بجسد
النسيان لا أحد معي ليؤنس سفري البعيد
للكلمات
فلا أحد يرجع من الموت فأنا تائهٌ غريب من بين
القادمين و أنا تائهٌ بين خطوات كل
الراحلين
فلا صورة لي ها هنا لأحيا به و لا لدي جواز سفر
كي أحمل حقائبي و أسافر هرباً من
حظي السيء
فهناك من يرحل من العذاب بلا وداع من
حياتي
و هناك من يعود لذات العذاب لحياتي ثم
يكسرني و يرحل مرةً
أخرى
فيا قطاري السريع في السفر أين موسم ولادتي
و الفرح و أين ذاك المطر
يا أيها القطار السريع على ضفاف الرحيل لا
تسرق مني كل أضواء شمسي و كل
نهاري
فتمهل في رحيلك الأبدي و انتظرني لساعةٍ
أخرى
لقد خانتني مجدداً ذاكرتي فنسيت حقيبتي
و موعداً كان سيعيدني
لأحيا
فإنتظر كما تنتظر قافلة المتوفي ذاك الغريب
على طريق موته
كي يقرؤوا عليه صورة الفاتحة و يدعون له
رحمةً و غفرانا
ريثما تكمل طقوس الرحلة الاخيرة لجثمانه
البارد
انتظرني لساعةٍ أخرى كي أعيد بتوقيت ساعتي
للوراء و أسترجع كل ملفاتي عن العمر
الإفتراضي و كل ذكرياتي
فلا يحق لك أن تسافر من وجعي إلى وجعي
دوني و أنت خالٍ من الأموات
القدامى
سأرجع إليك بعد سبعين سنةٍ أخرى لأراك
يا قطاري السريع
و سأحمل كل ذاكرتي و شراييني و ذكرى أيامي
الأولى إن إنتظرتني قبل سفرك
هناك
سوف أسرق من كل الأبواب دمائي المهدورة
لأنجو بما تبقي من دمي حجراً
فلا تمتحن صبري هناك في الإنتظار أو انكساري
في الأبدية المتألمة
فإن كان ليس لديك الوقت كله لتنتظر عودتي
من ماضي النسيان
دعني أستميت حزناً و وجعاً بخيبتي و إمضي
كما تشاء و كما تريد
ارحل على عجلٍ بكل الراحلين من حياتي
المسرعين الخائبين على دروب
الملح
سافر نحو البعيد بعجلاتك السريعة سابق الريح
كأيام حياتي الراحلة و قل لدربك
الطويل عني
لقد انتظرته طويلاً لكنه هو من تأخر في
الوصول
لينجو بصورة الحياة ففشل ليدرك حقيقة
الرحيل في الوجع المر
فتركته يلملم ظله المكسور من بين الكلمات
العابرة
فهل كان طريقه هذا طويلٌ و ثقيلٌ كما الوقت
فتأخر على المجيء
أم كان يكتب قصيدته المشهورة الطويلة عن
رحلة العذاب بمن طعنوه
فتاه مع القصيدة و نسي موعده المحدد له
في الرحيل
فماذا كان سيحدث لو إنه استعجل قليلاً بكتابة
نصه الحزين قبل الوقت و كان يقظاً
مثل الصباح
لعاد سالماً و منتصراً من حربه مع السنين
القاسية و قال
مازلت أنا حي هنا بين الكلمات فشكراً للنسيان
على نسيانه لي
فكفاك تثرثر يا أيها القطار لتشعرني بإنكساري
و ترمي بدربك الطويل بكل الكلام
فربما أن أكون قادراً أن أنجز قاعدة مغايرة
للقصيدة مرةً أخرى و ربما أخيب ظن
العدم
فمن أنا لأخيب ظن العدم لا فلا تصدق يا قطاري
حديث العابرين الغرباء عند حدود
الأمنيات
و لا تصدقني إن همست لك بأوجاع القوافي
وحياً
و قلت لك أنا مازلت أملك كل الوقت كم أنا
أكذب بنحاتي
لا لا فلا تصدق كل كلام الخاسرين على
دروب الإنتظار
لأن الإسطورة تقول بأن في الحكاية هناك
أحياء كثر و أمواتٍ كثر
فلا تمضي قدماً يا قطاري السريع إلى موتي
المؤجل بألف خيانة أخرى بألف
غدر
فأنا الوحيد الذي كنت جريء بخيبة الأمل يا
صاحبي فلا تردني خائباً لمقبرة
الأيام ثانيةً
و أنا جريء بالبوح عن انكسار الروح على دروب
السفر بحزن الكلمات
و ربما أستطيع بملامسة أبجدية الفلاسفة أكثر
من غيري رغم بعد المسافات
بيننا
و ربما أستطيع أن أقسو على الحروف و أعصرها
كحرف التشبيه بشكل القصيدة
فهل أصلح لكي أكون جريئاً أكثر و حراً فأنتظرك
ريثما تعود على دربي
أم جرئتي لها وجهةٍ أخرى و طريق غير الذي
صرت به في الرحيل
دع ذاكرتك على طريق النسيان و امضي بعيداً
يا قطاري و عن كل الإحتمالات
للعودة
سافر لوحدك دوني و سابق كل الأمنيات المسلوبة
سر في دروبك الطويلة بإنكسارات
أخرى
حطمني بمر السنين و الإنتظار كما تقول
المتب السماوية
فلا تتوقف عند موتي لتبكي إن شدكَ الحنين
لأيامٍ معدودة في زمن
البدايات
دعني أتلذذ بأوجاعي الثكلى بحروف القصيدة
و أسستنشق كل الهواء
دعني أفتش بكل زاويةٍ و تحت كل حجرٍ
عن شكل روحي الأخيرة
و فكر معي إن كنتَ من القرابين البعيدين للنجاة
بأيامنا المستحيلة
ففكر في كل السنوات الماضية إن كنتَ من الأحياء
بأيامي الأولى و إن بقي لديك ذاكرة
لتفكر
و راجع كل الذكريات ذكرياتنا معك قبل أيام
الوداع هناك
و لا تألف عني بسخرية المساء رواية أخرى
عن المحبطين
فإن نسيت كل حياتي هناك فخذني لمكانٍ بعيد
بعيد معك يا قطاري السريع
و لا تتركني حجراً على رصيف المحطة و
أنا أقلد خيبة المنتظرين
حررني من خيبتي و من ضجري في الثبات
احملني سلاماً بين المسافات الطويلة
لعالم النسيان
و لا تخذلني كما كل الآلهة العقاب في أزلية
الإنكسار
خذني معك كغيمة تهوى الرحيل كموسم المطر
الخفيف كنسمةٍ بجسد الريح في
السفر
كفراشةٍ تسافر بين ضلوع الزهرة لتنام بين
قطرات الندى
عانق هناك كل صلواتي يا قطاري و كل شهواتي
أملاً إن أحييتني من جديد
فربما تنجوا معي من لعنة البقاء بين وجعين
بين دمعتين في الهلاك
فهناك فوق صدري رقصةٌ طويلة مع العذاب
مع الموت الطويل لي و لك هو
وجع الحياة
رجلٌ و طاولة مستديرة في المحطة و فنجان
القهوة و علبة التبغ
و عيونٍ تملئها الدموع و هي تراقب كل الوقت
فهل مضيت سراباً في سفري يا قطاري
أم
نسيتني وحيداً كعادتك مع القصيدة بخيبةٍ أخرى
فأقلبُ بالكلمات لأنساك
و ألعن سفركَ الطويل و زمن الغياب بجرح
الإنتظار
و أنا في محطة الاشباح البدلاء أعد بالراحلين
الخائبين لمقبرة أخرى نكست بكل
حياتي بمر العذاب
لقد خنتني مجدداً يا قطاري السريع و خنتَ
إنتظاري
كما خانوني رفاق السفر و أصدقاء العمر و شركاء
الروح
ألم أكن هناك يا قطاري لأعرف من كان يخيط
لي بثوب الكفن و بشير إلى قبري
أم بحماقتي شردت بهشاشة الذكاء العاطفي
في محطة الخاسرين
و مضيت بلا وعيٍ من غدرها و أنا أتنازل لها
عن سنين عمري المكسور
فهل عرفتها يا قطاري السريع قاتلتي
ع ف
فكانت تلك قيامتي الكبرى في الهزيمة بزمن
الحرام الطويل
فخذني معك يا قطاري السريع لسنين الفراغ
كلها لزمن الملامات
و انتظرني لساعةٍ أخرى في محطة الأموات
المنتظرين
فعليَ أجمع ما تبقى من روحي و من جسدي
في زمن النسيان و أقول لكل الراحلين
لا لا
فكفى تلعنون حياتي كلها بوجع الرحيل
و تموتون في ذاكرتي و أنتم
واقفين ........
ابن حنيفة العفريني
مصطفى محمد كبار @@@ ١٠ / ٨ / ٢٠٢٥
حلب سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق