رسائل محبة
د. كرم الدين يحيى إرشيدات
حبيبتي،
هناك، في مدينة بعيدة، كانت تَسْمَعُ أصداءً تتردّد على أطرافها
أصداء تسأل: «أيّ حبٍّ هذا الذي تُنادِيه؟ وماذا يفعل الحب في حياتنا؟» كانت الأصداء تُزعِجُ حتى بلغت حدّ الإحباط؛ لكنّي مؤمن بعقيدة الحب. النفوس ترقى بالحب، والسلام بين الأمم يقوم على الحب، والأوطان تزدهر بالحب، وبالحب تُثمر الأرض خيرًا. بالحُبّ تسمو الأمم ويعلو شأنها.
حبيبي،
كلماتك أيقظت في الروح يقينًا عميقًا، كأنّك تُوَسِّمُ الحبَّ تاجًا على رأس الإنسانية. الحب ليس زينة عابرة ولا عاطفة هشة؛ هو الجذر الذي تتفرّع منه الفضائل، والينبوع الذي يروّي القلوب اليابسة. حين تؤمن بالحب، لا تزعجك الأصداء المربكة، لأنّك تسمع في داخلك صوتًا أوضح: صوت الحياة، صوت النور، صوت السلام.
دعهم يتساءلون: «أي حبٍّ هذا؟» فلتكن إجابتك أنك تنادي بحبٍ يرفع الإنسان فوق حدود ذاته، حبٌّ يجعل الوطن حضنًا، والأرض بستانًا، والروح سماءً لا تعرف الانكسار. ذلك هو الحب الذي نحتاجه؛ حبٌّ يُخَلِّدُ المعنى ويمنح للحياة جدوى.
حبيبتي،
لم يخطر ببالي أن العاطفة تزعج الكثيرين، أو أنّ لها أعداءً في كلِّ مكان. لم أكن أعلم أن الحب يوقظ لدى البعض حالةً من اللاوعي والجنون؛ أولئك الذين يصطادون في الماء العكر، غايتهم نشر الفساد وتمزيق الناس. أنا مؤمن، إيمانًا مليئًا باليقين، أنّ الحب صانع المعجزات؛ هو الذي نقّى قلوبنا من سوادٍ كان قابِعًا فيها ومسيطرًا على عقولنا. تحرّرنا من عبودية الضغينة والكراهية العمياء التي أضلت طريقنا سنواتٍ عديدة.
حبيبي،
أعلم أنّ هناك من ينظر إلى الحياة بمنظار ضيّق، أو من زاويةٍ معتمة. وأعلم أيضًا أنّ فاقد الشيء لا يعطيه
وهنا يأتي دورنا: أن نكون دعاة محبة، نزرع الأماني في القلوب، نعَلِّمُ أن الحب تضحية وإيثار. نُظهِر كيف يحرّك الحب الألوان القاتمة فيتحوّل لونها إلى ألوانٍ تنبض بالفرح، ألوانٍ مليئة بالأمل. نعيش من أجل شيءٍ سامٍ ومقدّس في النفوس: نفوسٌ ملأى بالسلام
سلام مع الذات قبل أن يكون سلامًا مع الآخرين.
حبيبتي،
صدقتِ: العين التي لا ترى سوى الظلام تعجز عن إدراك إشراقة الفجر. نحن خُلقنا كي نكون شموسًا تضيء لغيرها، نحمل الحب رسالة لا كلمةً عابرة. الحب الذي نزرعه ليس مجرد عاطفة، بل إيمان بأنّ التضحية والإيثار يصنعان حياة أبهى وألوانًا أدفأ من رماد الأيام. هو دعوة للسلام تبدأ من عمق أرواحنا ثمّ تفيض على من حولنا حتى تتسع الدائرة ويصير العالم أرحب وأجمل.
فلنكن كما قلتِ
دعاة محبة. نكتب بقلوبنا معنى الوجود، ونعلم أنّ الحب أعظم المعجزات.
حبيبي،
كلماتك تفتح في القلب نوافذ نور وتعيد للروح يقينها بأنّ الحب رسالة سامية. نعم، سنكون دعاة المحبة، نحمل قناديل الأمل ونلوّن القلوب بما يبدّد العتمة. معك أؤمن أنّ الحب لا يكتفي بتجميل الحياة، بل يعيد تشكيلها: يحوّل الجفاف إلى نهراً، واليأس إلى غدٍ مشرق. سلامك مع نفسك سلامي، وسلامنا معًا صلاةٌ نرفعها للعالم كي يشفى من ضيق الزوايا وظلمة الرؤية.
معك…
أجد أن رسالتنا ليست حلمًا فحسب، بل قدر نعيشه بكلّ إيمان.
أحبكِ، يحيى.
أحبكِ، حبيبتي.
د. كرم الدين يحيى إرشيدات
الأردن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق