الأحد، 26 أكتوبر 2025

نص نثري تحت عنوان {{حديث الأرواح}} بقلم الكاتب الأردني القدير الأستاذ{{كرم الدين يحيى إرشيدات}}


حديث الأرواح
د. كرم الدين يحيى إرشيدات

هيَ وهوَ 
لم يتبادلا الحروف،
لكنَّ الكونَ أصغى إلى نجواهما.

قالتْ عيناها ما عجزَ عنه الكلام،
وقالَ صمتُه ما لم يقُله الشعرُ في ألفِ عام.

التقيا بينَ لحظتينِ من الصمت،
فانفجرتْ في داخلهما الحياة،
وصارَ التخاطرُ صلاةً،
والإحساسُ طريقًا إلى الخلود.

قالتْ روحه:
ما احتجتُ نداءً كي أصلَ إليكِ،
كنتِ فيَّ منذ أن خُلقتُ،
في نبضِ دمي، وفي ومضةِ حلمٍ قديم.

وقالتْ هي:
وأنا كنتُ أنتَ قبلَ أن أراك،
كنتَ صدى روحي،
وكنتُ ظلَّ أمنيتِك التي لم تُقَل.

وهكذا تحدّثتِ الأرواحُ،
لا باللسانِ بل بالحنين،
ولا بالعينِ بل باليقين،
فصارَ صمتهما قصيدةً،
وسكونُهما عمرًا من الوجدِ لا ينتهي.
هو:
كنتُ أسمعكِ دون أن تتكلّمي،
كأنَّ همسكِ يسكنني منذ الأزل،
تأتي نبراتكِ من عمقِ قلبي،
قبل أن تنطقَ شفاهُكِ بالكلام.

هي:
وأنا… كنتُ أراكَ دون أن أراك،
أحسُّ خطاكَ في نبضي،
وأسمعُك في هدوءِ ليلي،
حين يهمسُ الهواءُ باسمك.

هو:
أيعقلُ أن نكونَ حديثَ الأرواح؟
تخاطبُنا النظراتُ بصمتٍ،
ويترجمُ الحنينُ ما تعجزُ عنه الحروف.

هي:
بل هو الوجدُ يا حبيبي،
حين تتلاقى الأرواحُ قبل الأجساد،
وحين يُصبح الصمتُ وطنًا لنا،
نسكنهُ معًا… دون وعدٍ ولا كلام.

هو:
قلتِها وصدقتِ 
فالإحساسُ يا عمري سبقَ كلَّ شيءٍ في الكون،
كان أوّلَ النور قبل المجرّات،
وأوّلَ نبضةٍ في صدرِ الوجود،
بهِ عرفتكِ روحي… قبل أن تُولَدَ العيون.

هي
يا من تتنفسني قبل أن أتنفس،
وتسكب في عروقي نيران الحنين،
أراك لهيبًا، وأنا الجمر الذي يذوب في حضورك،
أراك قدرًا، وأنا حلمٌ يسبح في بحر شوقك،
أراك صلاةً تُسجد بين عينيك، وأنا دعاءً يذوب في كفّي.

تقترب فتغدو اللحظة مرآةً للسماء،
كل نجمةٍ في صدري تهوي إليك،
والليل ينفجر عطراً ونورًا وهوى،
ويصبح الصمت غناءً، والوجود لهبًا،
ويستيقظ فيَّ كل أنثى كانت نائمة.

كيف لك أن تكون كل هذا؟
كل نفسٍ بيننا قصيدة،
وكل لمسةٍ قمرًا يحترق في سماء الروح،
وأنا معك أتنفس اللهيب،
وأنت معي تتنفس الكلمات…
فتصير الحياة حروفًا، والحروف حياةً،
والحبُّ أعظم من أن يُقال أو يُحكى،
بل يُعاش كلّ لحظة كأنها انفجار الكون كله.

د.كرم الدين يحيى إرشيدات
الاردن

 

ليست هناك تعليقات: