الأحد، 26 أكتوبر 2025

نص نثري تحت عنوان{{حديقة العطش}} بقلم الكاتب التونسي القدير الأستاذ{{محمد الصغير الجلالي}}


حديقة العطش
✍️ محمد الصغير الجلالي

هل يورقُ القلبُ
بعد أمطارِ الخريف؟
وهل تُنبتُ الجراحُ
إذا بلّلها المساءُ
بشيءٍ من حنين
ومرّت فوقَ ندوبِها
ريحُ الرحيل؟

أنا لا أعلم…
لكنّي رأيتُ العاشقين يعودون
من المنافي،
مثقلين بما تبقّى
من رمادِ الأغنيات،
ورأيتُهم
يبنون من وجعِ الوداع خيامَهم،
ويعلّقون على النوافذ
خيطَ شمس
وما تبقّى من دموع
كي يطولَ العمرُ فيهم،
لا ليحيا…
بل ليحتملَ كل الفصول.

قد يورقُ القلبُ
إن سكنتْهُ امرأة
تعرف كيف تلمس الجراح
كما يمرُّ الضوء
فوق جبينِ طفلٍ نائم،
وكيف تكتبُ بالسكوت
قصيدةً
لا يسمعُها سواك.

وقد يورقُ القلبُ
إن بكى…
فالدمعُ أوّلُ موسمٍ للرّوح،
كي تنمو،
وأوّلُ اعترافٍ
بأننا بشرٌ
نخطئُ
ثم نكبرُ بالندم.

قد يورقُ القلبُ
إن مشى نحو الحقيقة،
ولو كان الطريقُ
مبلّلًا بالأحلام المكسورة…
فلا شيء يهدي التائهين
سوى إشاراتٍ صغيرة
اسمُها اليقين.

قد يورقُ القلبُ
حين يعثر في الخراب
على زهرةٍ وحيدة،
كبرتْ بجرأةٍ بين الصخور،
لا تسأل الريحَ عن سرّها،
ولا السماءَ عن المطر،
يكفيها أنها
منحت الظلام
احتمالًا للحياة.

لكن…
ليس كلُّ قلبٍ يورقُ
إن هطلت عليه الذكريات،
فهناك قلوبٌ
تشبه الأوطان البعيدة:
تمطرُ…
ولا تُنبتُ غير الحنين.

قلوبٌ
تخاف الضوء،
وتحيا في الظِّلال،
تعرف كيف تعطي،
ولا تعرف
كيف تأخذ من الحياة
غير الألم.

وقلوبٌ تمضي بصمتٍ،
لا تشتكي،
لا تنادي،
تضعُ وجعَها تحت معطفها
وتكمل الطريق…

نعم…
قد يورق القلبُ،
لكن بعضَ القلوب
لا تبحث عن ربيعٍ آخر،
هي فقط
تحاول أن تنجو
من ذاكرةِ الخريف.

 تونس ، 26 - 10 -  2025

 

ليست هناك تعليقات: