"بين المعنى والوجود: الإنسان سؤال لا ينتهي"
ليس الإنسان كائنًا يبحث عن إجابات بقدر ما هو كائن يعيش داخل سؤال مفتوح. فمنذ اللحظة التي وعى فيها ذاته، أدرك أن وجوده ليس معطًى مكتملًا، بل تجربة قيد التشكل، ومسارًا تتقاطع فيه الرغبة بالمعنى مع قسوة الواقع. ولهذا لم تكن الفلسفة ترفًا ذهنيًا، بل ضرورة وجودية؛ محاولة صادقة لفهم ما يعنيه أن نكون بشرًا في عالم لا يقدّم تفسيرات جاهزة.
إن سؤال المعنى ليس سؤالًا نظريًا فقط، بل هو سؤال يومي يتسلل إلى تفاصيل الحياة البسيطة: لماذا نحب؟ لماذا نتألم؟ ولماذا نستمر رغم إدراكنا لهشاشتنا؟ هنا يظهر الإنسان بوصفه كائنًا متناقضًا؛ يدرك فنائه، ومع ذلك يتشبث بالحياة، يعرف محدوديته، لكنه يحلم بالخلود من خلال الفكرة، أو الكلمة، أو الأثر.
الفلاسفة لم يقدّموا أجوبة نهائية بقدر ما علّمونا فنّ السؤال. فـسقراط جعل من الشك طريقًا للحكمة، واعتبر أن الجهل المعترف به أسمى من معرفة مزيفة. أما الوجوديون، فقد نقلوا مركز الثقل من السماء إلى الإنسان، مؤكدين أن المعنى لا يُمنح، بل يُصنع من خلال الاختيار والمسؤولية. وفي هذا السياق، يصبح القلق ليس عيبًا نفسيًا، بل علامة وعي؛ دليلًا على أن الإنسان يأخذ وجوده على محمل الجد.
غير أن أخطر ما يواجه الإنسان المعاصر ليس غياب المعنى، بل استبداله بمعانٍ جاهزة وسطحية. ففي عالم السرعة والاستهلاك، يُختزل الإنسان إلى وظيفة، أو رقم، أو صورة. وهنا تفقد الأسئلة عمقها، ويتحوّل الوجود إلى سلسلة من الأفعال المكررة الخالية من التأمل. إن الفلسفة، في جوهرها، مقاومة لهذا الاختزال؛ دعوة للعودة إلى الذات، وإلى التفكير بوصفه فعل حرية.
إن الوجود الإنساني لا يُقاس بكمّ ما نملكه، بل بقدرتنا على الفهم، وعلى تحويل الألم إلى وعي، والتجربة إلى معنى. وربما لهذا السبب تحديدًا، سيبقى الإنسان سؤالًا لا ينتهي، وستبقى الفلسفة فعل إنقاذ بطيء، لكنه ضروري، من السقوط في العيش الآلي.
وفي النهاية، ليست الفلسفة أن نعرف كل شيء، بل أن نعرف كيف نعيش بأسئلة صادقة، وأن نقبل هشاشتنا لا بوصفها ضعفًا، بل بوصفها جوهر إنسانيتنا.
✍️بقلم الاديب الدكتور أحمد الموسوي
جميع الحقوق محفوظة للدكتور أحمد الموسوي
بتأريخ 12/07/2025
Time:7pm

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق