✍️صمتُ الأَسرارِ الأَبِيّ
أَلا يا لَيلُ، يا لُجَّ الأَماني، ويا وَيلَ الكَتومِ إِذا يُعاني!
لَكَ الأَوجاعُ أَوطانٌ تُشَدُّ، ولِلصَّمتِ القَديمِ بِكَ مَكاني.
أَنا ابنُ الأَسرارِ، مَولودي صُموتٌ، عَلى جِلدِ الزَّمانِ، وَفي كَياني.
نَشَأتُ وَبَينَ أَضلُعيَ حَريقٌ، وَنارٌ لَو تُباحُ لَها تَفاني.
يُناديني الهَلاكُ: بُحْ كَي تَنجو! وَلَو كانَ البَوحُ سُلَّمَ لِلأَمانِ،
لَمَا استَجدَيتُ مِن جُرحي نَجاةً، وَلا أَلقَيتُ سِرّي لِلعَيانِ.
أَبِيتُ البَوحَ، طَبعي عِزَّةٌ ضارَت، وَأَنفاسي سُيوفٌ في اللِّسانِ.
يُزَمجِرُ بي الأَسَى: مُتْ أَو تَكَلَّمْ! وَأَختارُ المَماتَ عَلَى البَيانِ.
فَلَو لَم يُخلَقِ الإِنسانُ صَلباً، لَأَفضى السِّرُّ مِنهُ كَجَدْوَلٍ هانِ.
أَلا يا قَومُ، يا مَعدِنَ الظُنونِ، وَيا وَجهاً يُقَلِّبُهُ الزَّمانُ،
لَقَد جَرَّبتُكم حَتَّى بَلَغتُ، يَقينَ الهَجرِ مِن قَلبٍ حَناني.
فَلا شَكوى لِأَهلِ الأَرضِ تُجدِي، وَلا عَينٌ تُهَدهِدُ مِن أَماني.
هُمُ القَومُ الَّذينَ إِذا أَتاهُمْ، حَديثٌ غاصَ في سَبعِ المَعاني،
يَعيشُونَ عَلى زَبَدِ الحَكايا، وَلا يَدرونَ كَم حَفَرَ الغَياني.
يَظُنُّ السَّامِعُ الفَهمَ انشِراحاً، وَمَن يَبكي أَتاهُ بِأُرجُواني.
لِذا فَالصَّمتُ مَعبَدي وَإِمامي،
وَقَبرُ السِّرِّ أَكرَمُ مِن بَياني.
فَماذا يُقدِمُ البَوحُ المُرَجّى؟
وَهَل يُحيي قَتيلَكَ مَن رَماني؟
سَأَدفِنُ ما أُسِرُّ بِصَدرِ عَظمٍ، وَأَجعلُ كُلَّ شِريانٍ كِفاني.
فَما خَانَ الكَتومُ إِلا صَمتاً، وَلَم يَغدِر سِواهُ بِهَذا الكَواني.
إِذا الأَسرارُ سُجَّانٌ وَسِجنٌ، فَفِي لَحدِ الصَّباحِ مَعادُ شاني.
لِيَعلَم مَن يُحاوِلُ أَن يَرَاني، بِأَنَّ النورَ يَقطُنُ في الدَّهاليزِ، بَينَ النَّارِ وَالدُخانِ.
/نضال عبدالباسط الخالدي/
(سوريا)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق