الاثنين، 1 ديسمبر 2025

نص نثري تحت عنوان{{لم يعد هناك ذاك الظلّ}} بقلم الكاتبة الجزائرية القديرة الأستاذة{{آسيا حملاوي}}


 لم يعد هناك ذاك الظلّ،

الذي كان يتبع خُطاي
من غير أن ألتفت،
كان يختلس أنفاسي برفقٍ،
يسرق الحواسَ منّي
ليزرع في قلبي طمأنينةً
تفوق كلَّ أنواع الأمان.

كنت أمشي مُتماهيًا معه،
أُبطئُ خطواتي عمداً
كي أُطيل متعةَ مرافقتِهِ…
فمن ذا الذي يخاف الليل
حين يمشي وإلى جانبه
ظلٌّ يعرف معنى الاحتواء؟

هو رفيقُ طفولتي،
نقشَ ملامحه في الذاكرة
كفيلمٍ كرتونيٍّ قديم،
كـ“صاحب الظلّ الطويل”
و“جودي أبوت”
وهي تكتب رسائلَ
لا تعرف لها عنوانًا،
إلا قلبًا بعيدًا
وحنينًا يلوّح من النافذة.

كتبتُ له رسائلَ كثيرة،
ما زالت ذاكرتي
تتذوّق دفءَ حروفها
حتى الآن…
رغم الحروب المزدحمة
على سائر الجبهات،
ورغم الضجيج
الذي أثقل الروح،
لم تتخلَّ يومًا
عن الورود العالقة
على جدرانها
من حُلم الطفولة.

ذلك الظلّ،
لا يزال يحرس أغنيةً
عاشت عمرًا طويلًا
في منعطفات الليل…
وحتى حين أشعل
شمعةً صغيرة،
أجده هناك،
يقف بصمتٍ شفيف،
يحرس سكون القصص
التي ربّتنا
على حُسن الإصغاء
وإيمان الانتظار.

ورغم غيابه الآن،
ما زال صوتُه يسبقني كنبضٍ
يتفقد حرارة القلب،
وكأنّه يُطمئنني:
أن لا خوف على مَن تعلّم
كيف يمشي وحيدًا…
ولا يفقد طريق العودة.

أُصغي إليه في ليالٍ كثيرة،
حين ينام الجميع،
ولا يبقى في الغرفة
إلا أنا وأثرُ أنفاسه،
أُحادثه كما تُحادث الأمُّ
رضيعًا لم يولد بعد،
أُخبره أن طفولتي
لم تغادر سريري يومًا،
وأن الحلم وإن كبر…
ما زال يرتدي مئزر المدرسة
ويخجل من نظرات المعلّمة.

أحيانًا،
أراه متعبًا أكثر مِن قلبي،
فأقتربُ منه،
أمنحه كتفي،
وأسأل الليلَ أن يتسع لنا معًا،
كي يبقى بيننا ذلك العهدُ السري:
أن لا يخذل أحدُنا الآخر،
ولو كثُرت المفازاتُ والمسافات.

هو ليس مجرّد ظل،
إنه مرآةٌ صغيرة
خبّأتها الروحُ في جيبها،
تتفقد صورتها كلما هبَّ الريح،
وتتأكد أن الطريق
لم يسرق ملامحها.

وإن سألني أحدهم:
هل يعود الظلّ إذا ناديناه؟
أجيبهم:
الظلّ لا يعود،
لكنه يبقى في القلب
كوصيّةٍ مستترة…
تقول لنا كل ليلة:
«حافظوا على النور،
فأنا لا أُولد إلا منه»

نثريات زهرة الحروف 
آسيا حملاوي 
.

ليست هناك تعليقات: