الاثنين، 8 ديسمبر 2025

قصة تحت عنوان{{أحبابي وإن جاروا}} بقلم الكاتب القاصّ الأردني القدير الأستاذ{{تيسيرالمغاصبه}}


أحبابي وإن جاروا
قصة قصيرة

عندما أصرَّ الطفلُ المدلَّل على سماع حكاية أخرى قبل النوم، شعرت الأم بالضيق وقالت له محذِّرة كعادتها لإخافته:
– حسنًا، إن لم تنم الآن سوف آخذك إلى غرفة الغول التي تعرفها جيدًا في أسفل العمارة ليأكلك!
يصمت الطفل ويستلقي في فراشه؛ فتلـك هي الطريقة الوحيدة التي تُخيف بها النساءُ أولادَهُنَّ في تلك العمارة التي تحتوي على سبعة طوابق وأربع عشرة شقّة، بُنيت على أحدث طراز واحتوت على أثمن الأثاث.
--------------------------------------
لم يحضر أيٌّ من الأبناء الأربعة عشر تلبيةً لوصية أبيهم عبد الفتاح المقيم في دار رعاية المسنّين، ليراهم وهو على فراش الموت، فقد تجاهلوا ذلك الأمر بعد أن صُدموا بأن أباهم لا يزال على قيد الحياة هناك.
بينما الحاج عبد المعين على فراش الموت، عاد به شريطُ ذكرياته إلى آخر مرحلة من عمره، وتحديدًا بعد أدائه فريضة الحج، حين شعر بتقدّمه في العمر، وهو يرى كل يوم صراعات أولاده العاطلين عن العمل فيما بينهم، كذلك تذمّرهم من الأوضاع المعيشية الصعبة.
اتخذ قراره بأن يزوّج أولاده جميعهم، كلٌّ ممّن يحبّ ويختار، حتى يقوم بعد ذلك بتوزيع كامل الميراث عليهم بالعدل، حتى لا يختلفوا ويتشاجروا بعد مماته.
وكان في أشدّ الشوق لرؤية أحفاده يتنطّطون حوله ويتراكضون بسعادة، لتعود الحياة إلى المنزل بعد أن كبر أولاده المدلَّلون.
قام بشراء تلك العمارة، ثم زوّجهم جميعًا، وبعد تأثيث بيوتهم بأحدث الأثاث والفرش والأجهزة الكهربائية الثمينة، قام بتوزيع ما تبقّى من أملاك وأراضٍ وما ادّخره في البنوك عليهم بالتساوي وحسب الشرع.
بعد ذلك طلب حضور جميع أولاده لأمر يخصّه، فاعتقدوا أنه ربما يكون قد تبقّى لديه شيء من المال نسي أن يوزعه عليهم، فهرعوا إليه مسرعين.
وعندما تجمعوا حوله، سألهم مستفسرًا إن كانوا قد تكلّموا في أمر إقامته وكيف ستكون، وإن كانوا قد رتّبوا هذا الأمر.
عند ذلك تفاجأ بتغيّر وجوههم وتردّدهم، بحجة أن كل امرأة من حقها أن تأخذ راحتها في بيتها، وأن ترتدي ما تريد من الثياب، وأنهم بالفعل لم يحسبوا حسابًا لتلك المشكلة الصعبة جدًّا.
ضحك الأب وقال بمودّة، مخفيًا غصّته وصدمته الكبيرة منهم:
«أعلم ذلك… أعلم يا أحبّائي. لا عليكم من ذلك. بما أنه لا يوجد حارس للعمارة، سأقيم في الغرفة الكائنة في بيت الدرج المعدّة للحارس، هههههه، وسأكون أنا حارسًا للعمارة!».
تمرّ الأيام، وينجب الأبناء أولادًا وبنات، وتعجّ العمارة بالأصوات والصخب والحياة، لكنهم لا يقتربون منه أبدًا، بل يخافون عند ذكره، فشعر بالحزن الشديد لحرمانه من أحفاده.
أما زوجات أبنائه فكنّ يرمقنه شزرًا، متظاهراتٍ بالاشمئزاز والقرف، ويتهامسن ساخرات منه، ولا يريحهنّ وجوده في العمارة، كذلك يتذمّرن من تدخّله في فضّ مشاكل أولاده وخلافاتهم.
وإحداهنّ تقول للأولاد عند نزولهم الدرجات وهي تبتسم بخبث: «هيا بسرعة يا أولاد، لقد وصلنا غرفة الغول!».
أما أحفاده فكانوا عندما ينزلون الدرج يجرون بسرعة خوفًا منه.
إلى أن كان يومًا، وقع أحد الأولاد وهو يجري أمام غرفته مسرعًا، عند ذلك اجتمعت الأسرة كلها—أولاده وزوجاتهم—للتباحث في أمره، حتى اتخذوا قرارًا بالإجماع على إرساله إلى دار رعاية المسنين.
وقد رضخ للأمر الواقع وذهب وهو مبتسم ودون أي اعتراض، طالما أن ذلك يريح أولاده جميعهم، دون أن يظهر لهم حزنه بفراقهم.
وعندما غادر لم يأخذ معه سوى ألبوم يحتوي على صور أولاده، ليشعر بأنهم قريبون منه دائمًا.
وكان دائمًا يحدث النزلاء عن أولاده ومحبته لهم، وفي كل مرة يخرج فيها ألبوم الصور ليعرضه عليهم، كان يكرر عبارته:
«انظروا… من شدة حبي لأولادي فأنا أضع صورهم في جيبي قرب قلبي!».
يرحل عبد الفتاح بصمت وهدوء كما ترك بيوت أولاده بالصمت والهدوء نفسيهما.
----------------------------
أما صدمة الأولاد الكبيرة فكانت عندما وصلت الأمانات من دار رعاية المسنين إليهم، وهم يعتقدون بأنها قد تكون مالًا، لكن لم تكن الأمانات سوى ألبوم يحتوي على صورهم، مُرفقًا بشهادة وفاة الأب.

تيسيرالمغاصبه 

ليست هناك تعليقات: