شاقَ الفؤادَ من الهموم سواري
...
شاقَ الفؤادَ من الهموم سواري
وجرت دموع الصب كالأمطارِ
ومررتُ من دار الأحبة بكرةً
فإذا الطلولُ تلوح في الأطمارِ
لعب الزمانُ بها فغيّر حالها
أمُّ الربيعِ كدمنةٍ مقفارِ
فقضيتُ نحبًا للتذكر صحبةً
كانوا بها كاللامعاتِ دراري
فتركتُ راحلةَ الصبا لسبيلها
عودَ المنيبِ مطارحَ الأوزارِ
ظلّت تراسلهُ الكواعبُ بعدَها
والحرُّ مشغولٌ بحفظ ذِمارِ
أزمانَ هندٌ في النساءِ كأنّها
بدرٌ يُنيرُ لياليَ السمّارِ
ولها عبيرٌ في الخدودِ كأنّهُ
وردٌ يفوحُ بنسمةِ الأسحارِ
يبقى على ترفِ الجلود إذا خطا
ذرٌّ على الثوبِ بِلَى الآثارِ
ترنو إليها الآنساتُ بغطبةٍ
والحاسداتُ الناقماتُ تماري
يخرجنَ من خللِ البيوتِ بزينةٍ
سودَ العيونِ نواصعَ الأبشارِ
تمشي على استحياءِ رباتِ الملا
مشيَ المريضِ محاذِرَ الأخطارِ
ينفرنَ من ريبِ الحديث وسوءهِ
مثلَ الأوابد قد فجئنَ بضاري
لا يُسحَر اللبُ الرصينُ بغادةٍ
إلا بآنسةِ الحديث خِفارِ
يمحونَ عن قلب الأسيفِ شجونَهُ
محوَ السيول التربَ عن أحجارِ
فيهشُّ قلبُ الصبِّ حين تمرُّهُ
هشَّ القفارِ لديمةٍ مدرارِ
وإذا لقيتُ من الجفاءِ مرارةً
سهُلتْ إذاما بيحَ بالأسرارِ
ولربَّ يومٍ قد مررتُ لحاجةٍ
والقلب في شغلٍ عن الأوطارِ
فإذا بها حوراءُ تنظرُ حاجتي
طلقَ اللسانِ حديدةَ الأنظارِ
وتقولُ حجيٌّ لتبعدَ نظرةً
فنكى اللسانُ الجرحَ كالمنشارِ
لولا مراقبةُ الإلهِ لقلتُ ما
قالت ذرى الشعراءِ للأبكارِ
فكضمتُ غيض الغرِّ ثم محوتُهُ
صبَّ المياهِ على أجيجِ النارِ
فلقد دنوتُ من الأشُدِّ وربّما
نُزِعَ الهوى بشمائل الأبرارِ
وبلوتُ من ريب الزمانِ عجائبًا
ومصائبًا منها يشيبُ عذاري
فرأيتُ هذا الناسَ تحقرُ مَن ترى
سهلَ الخليقةِ طيّبَ الأعطارِ
ويساءُ للحر الكريم جوارُهُ
إيهٍ وربِّ البيتِ ذي الأستارِ
ويلامُ شهمٌ من تذكّر خِلّهِ
جهلًا وما ذكرَى الخليلِ بِعارِ
لا يسلمُ الجاني عليهِ إذا جنى
حتى يظلَّ رهينةَ الأوتارِ
عفوَ الكرام إذا عفا وبضدهِ
نارٌ تحرّقُ جانبَ العهّارِ
غرُّ الجبين إذِ اعتلى بجوادهِ
شمسًا تُغيبُ كواملَ الأقمارِ
يسعى الكرام المقتدون بإثرهِ
والطالبونَ بدائعَ الأفكارِ
نبتت على طيب البقاعِ أصولُهُ
ثم ارتوت بينابع الأحبارِ
تبلى الجسومُ من الصعاب وإنما
تبقي الخلودَ عزائمُ الأحرارِ
نصبوا الجسوم لنيل هامات العلا
تحت السقوف كأنهن سواري
تبقى الجبالُ الراسياتُ على المدا
شمًّا تصدُّ عواتيَ الأصرارِ
إنّ المآثرَ للكرامِ حبيبةٌ
تعلو على حبّ البنين ودارِ
ياربَّ ليلٍ قد أطلَّ على الفتى
بكلاكلٍ مثلِ الجبالِ كبارِ
قد بتُّهُ كالذيب نام بمقلةٍ
وبقيتُ بالأخرى على استنفارِ
ليت الكرامَ السائرين على الهدى
مُدُّوا بخصمٍ ليس بالغدّارِ
لكن على زمنِ الرجالِ سلامةٌ
يومَ العداوةُ جهرةٌ بنهارِ
أعددتُ للأعداءِ حين خفائهم
قلبًا يصدُّ جوارفَ الأنهارِ
ولوَ أنّهم جهرًا أتوا بعداوةٍ
شفتِ النفوسَ مضاربُ المغوارِ
بذلوا النفوسَ بألسنٍ يوم الوغا
فإذا بدت نكصوا على الأدبارِ
ولربّ معوّج اللسانِ رأيتُهُ
طلبَ الحداثةَ رغبةَ الدينارِ
ويظلُّ مثلَ الشاةِ عائرةً بلا
رأيٍ إلى الغنمين كالمحتارِ
أيصدُّ عن نهج العروبة عاقلٌ
تبقى الحميرُ زواملَ الأسفارِ
عزفوا عن الدار الأمينِ لدارهم
شرِّ الديارِ على البقاعِ بوارِ
ترك الكماةُ الباسلون هجينَهم
وبرئنَ منهم غيدُ آلِ نزارِ
وإذا أتى يوم الرهانِ تراهمُ
سودَ الوجوهِ نواكسَ الأبصارِ
مثلَ الجياد المفلقون تقدّموا
يومًا إذا استولت على المضمارِ
ببناتِ أعوجَ يقدمونَ كأنّما
أولى السوابق للعقاب تباري
ركبُ الحداثةِ بالبغالِ مخَلَّفٌ
ضلَّ الحِجا لا يهتدي بمنارِ
سلوا لسان العجمِ في غلس الدجى
وسللتُ سيفَ الضادِ ضوءَ نهارِ
رعوا الخيبثَ من الشجارِ وأَوْردوا
أجنَ المياهِ وأصدروا بشنارِ
فأنا جريرٌ في النسيب وفي الهجا
أعلو الفرزدقَ إن ذكرتُ فخاري
...
🇮🇶 الشاعر عبد القادر الموصلي
🌴🌴🌴🌴🌴