قصة
لحظة ضعف
الجزء الثامن
كان زائرة منسجمة مع العائلة التي تعمل بحقل مستضيفها ، وعلى حين غرة ، طرق باب المنزل السيط ، من الطارق .. ؟
أنا سيدي تفضل أرجوك شقيقتك بالداخل
من .. ؟
شقيقتي .. !
أجل ياسيدي .. شقيقتك
زارتنا بغيابك ، شفيقتك الصغرى
تفضل تفضل .. أرجوك
تأخرت يا أخي
شعرت بالملل لوحدي ، ولذلك تجولت في المزرعة ، وبالصدفة وجدت نفسي أقف أمام منزلهم ، فعرفت عن نفسي لهم ..
أصروا على إستضافتي ، لما تأخرت .. ؟
سأخبرك فيما بعد ، هيا بنا لقد تأخر الوقت
تفضل ياسيدي
أشكرك ..
لكني بالفعل متعب جداً ، وأود ان أغير ملابسي لأرتاح ..
شكراً جزيلاً
هيا بنا .. تفضل يا أخي
ماذا فعلت ..؟
كيف تخرجين من الكوخ ، وتدخلين بيت الحارس .. ؟
صدقني شعرت بالملل ، حاولت قتل الوقت بغيابك ، هذا كل ما في الموضوع
قضيت الوقت في بيت
الحارس ، لو أعددتِ الطعام ، ألم يكن أفضل .. ؟
ماذا سنأكل الان .. ؟
أحمد الله على وجود الأطعمة المعلبة التي كنت خزنتها تحسباً لمثل هذه الظروف ..
لاتقل ذلك أرجوك ، أنا ربة بيت من الطراز الرفيع ..
أكيد أنت ربة بيت من الطراز .. ؟
أعرف ذلك ..
تقلل من شأني ..
أمشي أمشي ، سمك التونة المعلب سيفي بالغرض ..
تغيرت ملامحها ، هي غاضبة جداً
قام الرجل بإعداد الطعام ، جهز كل شيء
زائرة الليل تجلس على حافة السرير غاضبة ، وكأنها قنبلة مؤقتة ، تحتاج لشرارة لتنفجر ، وتدمر كل شيء ..
بعد ان جهز الطاولة ، لم يجلس بل جلس بجانبها ..
لاتغضبي مني أرجوك ، كنت أمزح معك
بل تعمدت ذلك لأنني قلقت عليك كثيراً
هيا لنتناول وجبتنا ، لأنني بالفعل متعب وأريد النوم ، هيا لاتكوني عنيدة ..
كل أنت انا لارغبة لي للطعام ، لا لن أكل من دونك ، هيا لنأكل ، لا لن أكل ..
بدأ الرجل بتناول العشاء ، نظر إليها ، لم يتمكن من ان يتمالك نفسه ، كانت قد عقدت حاجبيها ، وتنظر إليه بحقد كبير
ضحك بصوت عالٍ ، ثم نهض ليحملها ووضعها على الكرسي ، ووضع عنوة بفمها الطعام ، ضحكا معاً ، بعد ان تناولا وجبة العشاء ، وشربا الشاي ، وأشعل سيجارة
جلس على كرسيه ، زائرة الليل ، طلبت منه ان يجلس بقربها على السرير ، لأنها لاتشعر بالنعاس ، وتريد التحدث معه ..
جلس بقربها ، مالذي تريدني ان أحدثك عنه .. ؟
لما أنت تنام هنا ، ولديك عائلة ومنزل في المدينة .. ؟
تنهد بعمق كبير ، وكأنه أدخل كل الهواء الموجود بداخل الكوخ برئتيه ..
مذ صغري وأنا اعمل ، وأنا لست بحاجة للعمل ، أنا مولود في عائلة ثرية ، لكنني كنت مختلفاً ومحارباً
بآن واحد ، عانيت من ظلم زوجة الأب ، كل أشقائي لايعملون
ينامون ويسرفون ، وأنا الوحيد الذي قصم ظهره والدي ، كنت في صغري أحقد عليه
ألعن وأشتم ، لكن الحياة علمتني ، بان قسوة والدي كانت لمصلحتي ..
كنت عاشقاً للحياة ، عاشقاً للربيع ، حالم رومانسي ، وأعشق حواء بجنون ..
أحب القراءة ، وأكتب بعض القطع النثرية والقصص ، إنتميت للكلية العسكرية ، وبعدها درست علم المحاسبة ، ثراء والدي منعني من الوظيفة ، وهذا أكبر خطأ إرتكبته في حياتي ، جل أحلامي لم تتحقق ، عملت وعملت ، وكأنني رجل ألي
لم أنتبه لنفسي ، ولا لمشاعري ، كان همي العمل ، تزوجت زواج تقليدي من أحدا أقربائي ، أجهزت بتدخلاتها على ما تبقى بداخلي من روح الإبداع ، هي تعتبرني ألة لصك النقود ، كنت أسرق نفسي من كل ما يحيط بي لأكتب أو أقرأ ، لا أذكر في يوم من الأيام سمعت منها تشجيع لي ..
كل محيطي لايشبهني أو يشعر بي ، همهم الوحيد ان أجلب لهم المال ، هذا الأمر حطم بداخلي كل شيء جميل ، كانت المزرعة هي مكاني المفضل ، أجد فيها ذاتي ،اعتادوا على غيابي ، تأكدي لايهم لو بقيت هنا سنة بأكملُّها ، المهم ان أعطيهم المال ، لذلك أهرب الى المزرعة ، أشعر بأن الحيوانات تفهمني وتشعر بي ..
إلا ان جاءت زائرة الليل ، لتغير نمط حياتي بالكامل ..
أنا حدثتك عن نفسي بصراحة ..
وأنت ما قصتك .. ؟
آه .. ياسيدي
ماذا أقول ، وعن أي شيء أحدثك
تزوجت صغيرة جداً ، او تم بيعي إن صح القول لرجل ثري ، كنت في عامي الخامس عشر ، كنت كالياسمينة التي بدأت أوراقها تتفتح لشمس نيسان ، كنت أنتظر الفراشات بأجنحتها الملونة لتحط على أوراقي ، لم يزرني الربيع ياسيدي
أنا الزوجة الثانية ، أو انا الجارية ..
دفع جسدي ضريبة الفقر ، كنت وليمة
كل يوم يلتهم ذلك الشره منه قطعة
كرهت جسدي ، وكرهت أنفاس مالكي النتنة ، شعرت بأني قد تم بيعي بسوق النخاسة ، وإن جسدي هو مستقر شهوته
أنجبت له ذكوراً وإناثاّ ، هم أولاد الخادمة
هم من الدرجة الثانية كأمهم ..
ذلك الشعور سيء جداً ياسيدي ..
بكيت كثيراً ، وضحكت بصوت خافت مرتجف ، حقدت على آدم ، وأقسمت على ان أنتقم منه ، جنس نهم لايشبع ، وكأنهم أكلي لحوم البشر ، قررت إثبات الذات
وأنني إنسانة أستحق الحياة والعيش بسلام ، تفوقت ، كان شغفي كبير بالتعلم
والمطالعة الخارجية ، أثبت وجودي كرقم صعب في معادلة الحياة ، لكن إنتهاك جسدي مازال مستمر ، كل ليلة أشعر بأني أغتصب
وإن لحمي رخيص ، كل ما انا فيه من عز ومال وثقافة لم يشفع لي ، حتى بعد ان كبروا أولادي وبناتي ، كنت أقرأ الخيبة مكتوبة على جباههم ، وإن مصيرهم كمصير والدتهم ، ذلك الشعور قتلني
قررت ان أبحث عن سر وجودي ، ان أرحل الى الشمس ، لأغتسل من جنابة الحياة ..
وبليلة ظلماء ..
يتبع
جاسم الشهواني