في يومٍ غلَّفَته الشجون ، من عام 2008 أهويتُ على جبين أمي اُقبِّلها ، وكانَت أنفاسُها تتسارَعُ ، وضيئَةَ المُحَيَّا ، وإن كربها النَّزع ، فما أعجَزَها عن أن تقول : "قبَّلَتك العافية ". وجال في ذهني شريطٌ للحياة في كنفها منذُ وعَيتُ أدرج في حبائها ، وتَضُمُّني إليها ، فتفك من واعِيَتي مُغلق الكلمات في مجلَّات الأطفال وتُقَرِّبُ إليَّ مواطِنَ الجمالِ في الرسوم والصُّوَر، حتى لقد رغَّبتني في القراءة قبل أن أفكَّ طلاسم الحروف وفَجَّرَت من أناملي قدرَةً صناعًا على الرسم في سنٍّ لا يلتفتُ فيها الصِّغار إلى دلائل الحروف ومعاني الرسوم ، وفاضَت روحُها الطاهِرَةُ بينَ يدَيَّ ، فذرَفتُ الدَّمعَ وتَهدَّجَت أنفاسي وهدَرتُ بأبيات - لعلها لا تَثقُلُ على صبر المُطالِع - كانَ منها :
(قُلتِها عِندَ الغروبِ) :
" قبَّـــلَتـْــــــكَ العافيـــــــَـــــة "
قُلتِــــها عنـــــــــدَ الغـــــروبِ
والــــرَّدى يَستَـــــلُّ مِن رَيَّــــا
كِ أصـــــداءَ الـــوَجيــــــــــبِ
دَعـــوَةٌ أرجــــــو بيُـمنـــَـــــــا
هَــــــــا مُجــافــاةَ الذنـــــــوبِ
جـــــازَ يَـــا أُمُّ اصطبــــــاري
لَـــوْعَةُ الوَجـــــدِ الصَّبيــــــبِ
والـــــذي أ خْفِــي مـن الأحْـــ
ــزانِ يُـــزكي مـن لهـــيـــــبي
يا رَواحًــا نـــَــــدَّ عَـــنْ سُحـْـ
ـــرَيَّ بالقَبــــْــــرِ الــــــرَّواحُ
غالَـــهُ المَـــوتُ ولـــــــوْ أبـــْ
ــقــاهُ لانـــْـــجابَ اللَّـــــــواحُ
أُمَّتــــــا يَــــا رَحمَــــةً في الأ
رضِ بَثَّـــــــتهــــا السَّمَـــــاءُ
لَيــــــــتَ لي مِنـها لَمــــــــامًا
بَـــــــعــدَ أن حـــمَّ القضــــاءُ
يا غياثي يَــــومَ يطمو الضِّـــ
ـيــــــقُ أيــْــــنَ المَهـــــــرَبُ
ضَاعَ مِن كَــــــفِّي قِيـــــــادي
ضـــاقَ مِنِّــــي المَـذهَـــــــبُ
والأمَــــانِــــــــــيُّ حُطــــــامٌ
بَـــــــــدَّدَتــهُ الـــلَّاعِجـــــاتُ
بِئْـسَـــــتِ الرَّوحـــــاتُ والأوْ
بــــاتُ فاتَتـــهــــا الحـــيـــاةُ
ورَواحــي مـَــــــــا رَواحــي
ضِلَّــــــــــةٌ لِلسَّــــــالِكيـــــنَـا
غِبـــطَةُ العَيْـــــــشِ سَـــرابٌ
مِن ظنـــــونِ الغابِـــــرينـــــا
لَيــــــــــتَ أنَّـــــــا مَعشَــــــرٌ
لَمْ نَـــــــكُنْ مِن أهلِهــــــــــــا
أو تفــادَينـــــــــا بهـَــــــــــــا
أنَّــــــــــةً مِنْ كَـربِــــــــهــــــا
أُمَّتـــــــا أيْــــنَ اختِـلاجُ الـــ
ــخَفْضِ أيــْـــــــنَ الحـــــدَبُ
رَحمَــــةُ اللهِ لَـــــدَى الـــمَكــ
ـــــــــــــــــــــروبِ أُمٌّ وأبُ
عَبـــــــقَرِيُّ الكَـــــــونِ ساجٍ
لَيْـــــــــــتَهُ لَـــــــمْ يَنـــْــطِقِ
جِنَّــــةُ الأعْيُـــنِ فـي الأشــــ
ـــجَــــانِ فَـــقدُ الألَـــــــــــقِ
غَـــلَّــــفَ الكَـــــــونَ حِجـابٌ
مِـنْ غُــيـــــــومِ الــــدَّامِعـاتِ
وعَــــلا الــــــدَّوْحَ نَشِيــــــجٌ
مِـن رَنيــــــــــمِ الــغـــارِداتِ
وادْلَهَـــــــمَّ الأُفـقُ مَـرأى الــ
ــعَيْــــــنِ طَــيَّ اللَّـــــوْعَــــةِ
كُــــلُّ مــا آنَــسُ مِنــــهُ الــرَ
رَوْحَ أشْـجَــــى مُهْـــــجَـتِــي
فَــسُـــرَى النَّـــسْـــمِ زَحِيــــرٌ
وسَنَـــا الــشَّمـسِ شُحــــوبُ
والضِّفــــافُ الـــخُضْرُ غَــشَّـا
هَــــــــــا ذُبُـــــولٌ وجُــدوبُ
والــعُــلالاتُ صَداهَـــــــــــــا
هَـــمْهَـــمَــــــــاتٌ وكُــــرُوبُ
ولُــهَــــــــــــاثٌ وزَفيــــــــــرٌ
ونُــــــــــوَاحٌ ونَـحــيـــــــــبُ
وَوِطَــاءُ البُـــــرْءِ في الـــدُّنــ
ــيــــــا جِــــرَاحٌ ونُـــــــدوبُ
وَيْـلَـــــتـا مِنْ حُــرْقَةٍ في الــ
ــقَلـــبِ يَـعْصِيــهَـــــــا فَمـي
زادُهَـــــــــــا ذَاتي وأضْــــلا
عِـي ومَسـْــراهـَـــــــــا دَمـي
بَعثَرَ اللَّـــــــيلُ مِـــن الــسُّلـــ
ــوَانِ مـــــا جَـنَّ الـصَّبَـــــاحُ
وحَصـادي مِنْ غِراسِ الــصَّـ
ــبْــــرِ ذَرَّتْـــــــهُ الـــــــرِّياحُ
ذِكريَـــــــاتٌ لَــمْ يَــعُـد لِـــي
مِنـــــكِ غَيــرُ الذِّكْـــــرَيَــاتِ
لَيْــــتَ مَـــا أفْضَى مِن الأيــ
ـــيـــَــــامِ في ظِلِّــــــــكِ آتِ
كُنْـــــتُ فــي فَـيْئِكِ جَمَّ الـــ
ـــبِشْرِ مَـــــأمُــــولَ الـنَّــجَاةِ
بِتُّ مِــــنْ فَقْــدِكِ صفْـــرَ الرُ
رُوحِ مَكْـــــــــلومَ الشَّبَــــــاةِ
كُْــــنْتُ في نَبْــضِكِ أستَجـْــ
ــلِي مِنَ الغَـــيِّ الهُـــــــــدَى
ذا بَـــــــقــائِــــي دُونَ أنْ أَرْ
خَــــى بِــمَـــــرْآكِ سُــــــدَى
كُنْـــتُ إمَّـــا صِحْـــتُ يا أُمـُ
مُ اسْتَنَــــــارَ الغَيْـــهَـــــــبُ
وانْحَنَى الخَفْــضُ علَى الدُّنـ
ــيَـــــــا وَلانَ الـــمُــصْـعَـبُ
طَابَــــتِ الأحْـــرُفُ بَثَّــــتـــ
ــهَـــــــا شِفَــــاهٌ ولَهَـــــــــاةُ
رُقْيَــــــةُ الأحْـزَان خَلَّــــتـْــ
ـــهـَــا لَـدَى الـصَّدرِ الشَّكــاةُ
يـَـــا نَجَـاءَ الـرُّوحِ في الغَمـ
ـــمَاءِ غَشَّاهـــــــــا الـوُجومُ
هَـشَّــــمَ الـقـارِبَ والـمِــجْــ
ـــدَافَ مَــــوْجَـــــاتٌ غَشومُ
أيـــــنَ منِّـي مَنْــطِقٌ كَالسِــ
ـــسِحْرِ فــي الجُلَّـــى جَهـيرُ
وجَبـِــيــــــــــنٌ ألــمَـــــعِـيٌّ
إِذْ نَبَــــــــا الأَيــــــدُ نَصِيـــرُ
وَسِمَــــــــاتٌ نَيـــِّـــــــــراتٌ
وابْتِــسامَـــــــــاتٌ عِــــذابُ
وسَجِيــَّـــــــاتٌ علَى الإمْــــ
ـــلاقِ في العُسرَى رِحـــابُ
ومُحَيًّا - دَعْ وميــــضَ الشَــ
ـشَمـسِ - مِنْــــــهُ البَـــــلَــجُ
مَــــا عَـصَى المـــــــأزَمُ إلَّا
جَــــــاءَ مِنــْـــــــهُ المَخْــرَجُ
لَيْـــــتَ شِعـري ما الَّــذي أَوْ
غَـــرَ بـالُصَّــقْرِ الهَــــــــــزَارُ
أو تُــرَى مَــــا يَبْـتَـــغِي مِـنْ
ضَحــــوَةِ الشَّمـــسِ القَتَـــارُ
والـــفَــرَاشاتُ علَــى الأغـْـــ
ـــصَانِ مَـــــــا أوجَفَهَـــــــــا
والزُّهُـــــورُ النُّجْلُ في الأكْــ
ـــمَــــامِ مَـــــــــا نَدَّفَهَــــــــا
أَيــْـــــنَ منْ عَيْنَيَّ دَفْقُ النُـــ
ـــنُـــــــورِ أَيـــْــــــــنَ الأَرَجُ
مَـــــا علَى نَاشِيـــــهِ مِنْ جَـوْ
حِ الأسَــــــــى مُعْتَـــــــــلَــجُ
ضَيْعَتَــــــا مَـا جَنَّــتِ الأَحْـــ
ــــلامُ أَمْــسَــــــى بَـــــــــدَدَا
ضِقْتُ بِـــالشِّـــقْــوَةِ والأَشْــــ
ـــجَانِ والجُلَّـــــــى يَـــــــــدا
كُــــــــلُّ مَـــــا يبْعَثُ بِالغِبْـــ
ــطَةِ في النَّــفـــسِ اسْتَـحـالا
وَصْلُـــهُ أغْضَى علَى الجَفـْــ
ــــــــوِ وآضَ الـــــــــرِّيُّ آلا
أُمَّتَـــــــــا لا أَقـرَبُ السَّــــــر
راءَ مَــــــــــــا أَشْجَيْتــِـــــنِي
آيَـــــةُ السَّيْـبِ لَـــدَى المَحْـــ
ــرُومِ فَقْـــــــــدُ المُحْسِــــــنِ
هَــلْ تُــرَى أَشْتَفُّ عِنْــدَ النَــ
ــنَـبْعِ نَـــــفْـحَ الــــزَّهَـــــــــرِ
أَو تُـــرَى أَسْمَــعُ في الأسْـــ
ـــحارِ هَـــــمْـسَ الشَّـــــــجَرِ
وأعِــي وَمْــــضَ العَشِيَّــــــا
تِ وسَــــــجْـــوَ الـمَغْـــــرِبِ
واخْتِـلاجاتِ السَّنَـــا في النَـ
ــنَجْـمِ بَيْــــــنَ الغَيــــْـــهَـبِ
والـرَّوابي الخُضْرُ رَيَّــا الـدَّوْ
حِ هَــــــــــلْ أَجْتَــــــــالُهَــــا
بِالنَّـــــدَى مُخْضَلَّــــة الأكْـــ
ـــنــافِ مُدْهَـــــــا مَّــا تُهَـــا
ربِّـــي أسْـكِنْــهـا ضِفَافَ الــ
ــخُلـــــــدِ إنَّــــــا مُؤمِنُـــونَا
فَازَ أَهـــــلُ البِــــرِّ بـِــالعُقْـــ
ــــبَـى وأَكْــــــدَى المُبْـطِلونا
أَشْرَفَ النُّــــورُ علَى النُّـــــو
رِ وهَـــــــشَّ الكَــــــــــــوْثَرُ
وَهَـــــفَا الـــرُّوحُ مِنَ الصَّلــ
ـــصَالِ وَهْــــــــوَ الجَوْهَـــرُ
(محمد رشاد محمود)