على منوال البردة
. .
ربعٌ لخولةَ دون الغيدِ مأهولُ
والقلبُ من حبها مضنًى ومتبولُ
كأنها دُرَّةٌ حُفَّتْ بها صَدَفٌ
أو بيضةٌ كنّها بالدف إجفيلُ
تخالُ في وجهها الزيتونَ معتصرًا
فهو بلا جذوةٍ قد ضاءَ قنديلُ
يكاد يقتلني إن بانَ من حُجُبٍ
طرفٌ قصيرٌ مريضٌ ثَمَّ مكحولُ
والشعرُ من لينهِ كادت تقطّعُهُ
كأنّهُ من خيوط الخزِّ مغزولُ
تكاد تختطفُ الأبصارَ لمعتُهُ
كأنّهُ من مياهِ التبرِ مغسولُ
راحت ترجّلُهُ فانهال يسترُها
وهل لشعر نما كالخزِّ ترجيلُ
والثغرُ مبتسمًا تبدو عجائبُهُ
كأنّما الدرُّ بالمرجانِ محمولُ
تسقي الحبيبَ إذا رامت سقايتَهُ
ماءًا شبامًا بريق النحل معسولُ
فما تركتُ هوى الحوراءِ زهدًا بها
بعضٌ من الحبِّ لا ترقاهُ عطبولُ
وللإحبةِ دارٌ لستُ أنكرها
بأيسرِ الموصلِ الحدباءِ إكليلُ
والقلبُ يأرزُ مثلَ الصِّلِّ مجتنحًا
كلٌ إلى دارِهِ ساعٍ ومشغولُ
لمّا رأت رحلتي والأمرُ مُعْتَزَمٌ
عضّت أناملها لو ينفعُ القيلُ
فغيّرَ الخدَ ماءُ العين منكسبًا
فالماءُ للورد إحياءٌ وتجميلُ
فمسّحتْ دمعها والصوتُ منقطعٌ
ومن أناملها الحمرا المناديلُ
لمّا أُتيتُ بخيلِ العربِ عاديةً
حمراءَ قد زانها غُرُّ وتحجيلُ
سريتُ والليلُ لا تخفى كواكبُهُ
وللحبيبةِ تنتابُ العقابيلُ
حتى أزورَ ديارًا لا تفارقها
وفدُ الأحبةِ فيها الغيثُ مهطولُ
إلى الذي يقصدُ الروّادُ روضتَهُ
فكلُّ مرعى سوا مرعاهُ موبولُ
ابن الخليلِ الذي وفّى لبارئهِ
فكلُّ غالٍ من الولدانِ مبذولُ
ابن الذبيحِ الذي أبدى مصابرةً
على جبين الندى راضٍ ومتلولُ
إنَّ الرسولَ لفجرٌ شقَّ ظلمتَها
فجرٌ على غيهب الظلّامِ مسلولُ
هذا الذي فتّقَ الأذهانَ ناطقُهُ
وفتّحتْ للسنا العميانُ والحولُ
هذا الذي كسّرَ الأصنامَ صارمُهُ
وصدّع الصخرَ ما ألقاهُ جبريلُ
ولامسَ الشاةَ في عامٍِ فما برحتْ
لمّا عداها الندى أن درّتِ الحولُ
تروي ظماءَ الهدى أنهارُ بعثتهِ
ومن أناملهِ تروي المناهيلُ
كم خاب قومٍ رأوا أنوارَ بعثتهِ
وصدّهم عن تباع الحقِّ ضليلُ
حتى أتتهُ وفودُ الجنِّ مؤمنةً
لمّا دعاها الهدى للرشدِ ترتيلُ
لو خيّروا المنَّ والسلوى به بدلا
ما كان يرضيهمُ للذكر تبديلُ
يارب فاكتب لنا حبًّا شفاعتَهُ
فنحنُ أوصافُنا غرٌّ وتحجيلُ
إذ دُكَّت الأرضُ دكًّا وهي خاضعةٌ
وقُرِّبتْ شمسُنا مقدارُهُ الميلُ
..
الشاعر عبدالقادر الموصلي
