مقالة حول المسرح الدرسي
من الأنشطة المندمجة التي تجعل المتعلم ينفتح على محيطه، ويتزود بمعارف متنوعة ومهارات حركية، نجد المسرح المدرسي. فماذا نقصد بالمسرح الدرسي ؟ وما دوره في الحياة المدرسية ؟
يعتبر المسرح المدرسي " لونا من ألوان النشاط الذي يؤديه الطلاب في مدارسهم تحت إشراف معلميهم داخل الفصل أو خارج الفصل في صالة المسرح المدرسي وعلى خشبته ... أو خارج الصالة في حديقة المدرسة أو مساحتها"¹
إنه فن أدبي لتفريغ طاقات المتعلمين وإظهار القدرات الإبداعية التي يمتلكونها. وكذا فسحة للتعبير عن المشاكل التي تقف عائقا أمامهم وتحول دون تفوقهم الصفي أو توسيع مداركهم كما ينبغي داخل أوخارج أسوار المؤسسة، إذ يعتبر هذا الفن نشاطا تربويا يسعى إلى تشجيع فلذات أكبادنا على الابتكار والإبداع قصد الارتقاء بقدراتهم التواصلية من خلال التجسيد الفعلي لمواقف مختلفة مستوحاة من واقعهم المعيش أو من وحي الخيال على الركح.
يساهم المسرح المدرسي بشكل إيجابي في تكوين شخصية المتعلم وتنمية روح التعاون، والمشاركة الفعالة في بناء المعرفة. لذا تحفيز المتعلمين على تحضير لوحات مسرحية متنوعة أمر ضروري لتوعيتهم وتجاوز جملة من التعثرات التي تعيقهم في مشوارهم الدراسي، إذ يلعب المسرح دورا كبيرا في إخراجهم من قوقعة الرهبة والارتباك والخجل السلبي الذي يكون أحيانا كثيرة سببا في إخفاقهم أو حصولهم على علامات غير مرضية.
يمكن تدريب التلميذ مثلا على كيفية تمرير مهارات تهم مكونات؛ كاللغة والتواصل والقيم على شكل أنفاس مسرحية يتلقاها الآخر بكل سلاسة وفي قالب مختلف يثير انتباه الحاضرين.
المسرح المدرسي قد يحسن ويوثق علاقة المتعلم بفضاء مؤسسته، كما سيكسبه كفايات منهجية وتواصلية مهمة، فضلا عن كل هذا يمكننا اعتباره وسيلة للإفصاح عما يراود أذهان المتعلمين وما يشغلهم عن واجباتهم، وذلك من أجل إيجاد حلول فورية.
يتيح المسرح المدرسي فرصة التعرف على مواطن القوة والضعف لدى المتعلمين من جوانب عدة؛ كالتعبير الشفهي، والارتجال، وقبول رأي الآخر... فهو بمثابة تقويم لتعرف مستوى المتعلم الثقافي ونسبة تقبله للرأي المخالف...وعليه؛ يجب علينا استثمار هذا الفن وتفعيله في مدارسنا لتحقيق أهداف تربوية أخلاقية ومعرفية من جانب، ومحاربة السلوكيات المشينة من جانب آخر.
وفي نفس المساق يمكننا إجمال خصائص هذا الفن الإبداعي التربوي في :
1- سلاسة التعبير والتلقي.
3- توظيف لغة الجسد.
4- الابتعاد عن السلوكيات المشينة.
5- تقديم شخصيات ملائمة في قوالب فنية.
ومن أهدافه المنوطة نجد :
1- تمرير قضايا هادفة تصب في قالب اهتمامات المتعلم وتساهم في تنشيط وعيه وتنوير مستقبله.
2- صقل وتقوية مهارات المتعلم في مجالات وجوانب متعددة.
3- تنمية ملكة الإبداع.
4- ترسيخ قيم التعاون والمشاركة.
5- خلق نفس جديد مشجع على التلقي والاكتساب.
6- بعث الثقة في النفس.
يقدم المسرح المدرسي وفق أنماط متعددة ومتنوعة منها :
1- لوحات مسرحية تعتمد بالأساس على الحركة دون توظيف الكلام الشفهي أو عنصر الحوار.
2- تجسيد يحتاج إلى تحضير مسبق وضبط للدور.
3- تمثيل ارتجالي يعالج قضايا قريبة للعامة.
4 - تمثيل جماعي يحتاج إلى تحضير مسبق وتوزيع الأدوار.
4- تمثيل فردي يتقمص من خلال المسرحي "المتعلم" أدوارا مختلفة.
ومن أجل كتابة نص مسرحي وتقديمه للمتعلم لابد من العناصر الأساسية الآتية :
1- الانطلاق من فكرة جوهرية تربوية تلمس واقع المتعلم والتي ستدور حولها المسرحية.
2- التدرج في أحداث المسرحية وذلك من خلال احترام تسلسل الأحداث.
3- إدراج عنصر الحوار.
4- انتقاء الشخصيات المناسبة.
5- التحضير الجيد والتركيز على عنصر التشويق والبناء الدرامي.
كما يلزم التركيز قبل العرض على :
1- الدعم النفسي للمتعلم من أجل بعث الثقة في قدراته.
2- ملاءمة المشهد مع الشخصية والملبس والديكور.
3- الخشبة.
أثناء العرض يجب الالتزام بالآتي :
1- احترام النص والأدوار إذا لم يكن المشهد ارتجالي.
2- حسن الإلقاء : توظيف مختلف طبقات الصوت حسب ما يقتضيه الدور (حاد وقوي، متوسط، غليظ...).
3- الانتقال من مشهد لآخر بانتظام.
يجمع المسرح المدرسي بين فعل التلقين، والتعلم الذاتي الذي تسعى مختلف الدول إلى تحقيقه وترسيخ مبادئه من خلال تحبيب القراءة والمطالعة الدائمة وتوفير فضاءات مخصصة لهذا الغرض.
إلى جانب كل ما ذكرناه تعتبر خشبة المسرح المدرسي مكانا لعرض الرأي، والمشاركة في بناء التعلمات بطريقة مختلفة كاللعب... وكذا تعزيز روح المواطنة وترسيخ القيم الحميدة وإنماء حب الاهتمام بالأدب والفنون ومختلف العلوم، لكون المسرح هو "أبو الفنون" الذي يجمع بين النثر والشعر والموسيقى والتجسيد والفكاهة ... وتقوية ثقافة الحوار والتعبير بطريقة سليمة.
كما يبعث هذا الفن التربوي الحيوية والنشاط لدى المتعلمين تدفعهم للكتابة والاعتماد على النفس والتفكير في إيجاد موضوعات جديدة عوض اتباع منطق التكرار والاجترار لموضوعات قديمة سبق تقديمها.
يستحسن توجيه المتعلم للتطرق إلى موضوعات تنبش محيطه وواقعه ومشاكله في التحصيل المعرفي بصدق، كما يقال " أحسن الكلام ما صدق فيه قائله وانتفع به سامعه" وذلك من أجل محاولة تجاوزها عبر اقتراح حلول أوالدعم....
يمكن مسايرة النصوص التي يتم اختيارها للتمثيل والمقرر الدراسي إذ يقول محمد خضر في هذا الصدد "يلعب المسرح المدرسي دورا هاما وفاعلا في الحياة المدرسية ويمتد أثره إلى المحيط الواسع خارج المدرسة، وهو من الأنشطة اللاصقة الذي يكاد تأثيره في حياة الطالب يرقى إلى النشاط المصاحب للمادة داخل الفصل"². لكون هذا الفن يختلف عن المسرح بمختلف اتجاهاته القديمة والحديثة شكلا ومضمونا، إذ "يحتفظ بفلسفة وأهداف خاصة تتناسب مع طبيعته ووظيفته الأساسية"³، هذه الأخير تكمن في تعليم القيم ولعب دور المرآة التي تعكس المواقف والموضوعات التي تستحق العرض والمشاهدة.
¹. محمد خضر، تجربتي في المسرح المدرسي، غشت 1992، ص: 24.
². نفسه، ص: 10.
³. نفسه،ص: 10.
بقلم : مصطفى انفد / المغرب