(في عتمة الحافلة)
سلسلة قصصية
"الموسم الرابع"
٢٠٢٣
-------------------------------------------------------
القصة السادسة
ذات الجدائل
-٣-
احترت في تلك اللحظة بماذا أفسر نظراته وإبتسامته التي تسبب لي الاشمئزاز؛فقط لم ارتح لها.
قلت بضيق :
-خالد؟
قال معاتبا :
-سامحك الله ياحاتم، لو كنت تعلم كم أحبك لتوقفت عن خداعي ،كنت أتمنى مرافقتك إلى سهرات الغجر، فأنت تعلم كم أحب السهر والفرفشه.
-لا أعتقد ياصديقي أنك مرغوب هناك؟
-وعلى ماذا بنيت اعتقادك هذا.
-في الواقع حتى أنا لم أستطع نسيان مافعلت في عمان؟
-بالرغم من ظلمك لي فستبقى مكانتك في القلب لاتتزعزع، فأنت قريبي وصديقي وتهمني مصلحتك وسعادتك.
-اقدر شعورك وأتمنى الهداية لنا جميعا،لكني سأفكر في إمكانية اصطحابك؟
-وأنا اثق بوعدك، حاتم أنت تعلم كم هي حنكتي وخبرتي في الحياة، وأنا أستطيع أن أوفق بينك وبين زمردة ،وأن تقبل أيضا بترك قبيلتها والعيش معك وبكل سهولة .
-وكيف ذلك؟
-لاعليك فأنا خالد .
-بعد إذنك ياصديقي سأراك فيما بعد ،
إلى اللقاء؟
لم أعطه جوابي بالرغم من أن ماذكره كان يعطيني بارقة أمل ،لكني لا أريد أن يكون ذلك عن طريق خالد بالذات .
بحكم مايربطني بخالد من قرابة وصحبة ،فأنه يعتبر في حياتي كالحمل الثقيل ،يظهر في كل الأوقات المناسبة والغير مناسبة ،قد يكون صادق في محبته لي ،لكن حقده وغيرته يغلبان على محبته شأنه شأن الأخرين من الأقارب بل والأخوة أيضا.
* * * * * * * * * * *
بعد لقائي الأخير بزمردة شعرت بأنا قد أصبحنا كيان واحد وروح واحدة ،خصوصا أن القبلة الأولى لم تكن هي القبلة الأولى في حياة زمردة فقط، بل أنها كانت القبلة الأولى في حياتي أنا ايضا ؛بعد أن كنت أعرف بخجلي الشديد ،لكن الحب له حكمه وتأثيره ،وقدرته العجيبة.
كان ذلك مافتح علي الباب على مصراعيه أمام القريبات للتنافس من منهن ستحظ بقلبي الخجول والخالي من أي تجارب غرامية ، وهذا ماأثار غيرة الكثير من الشباب وخصوصا منافسي وصديقي خالد.
* * * * * * * * * * *
في المساء كنت على موعدي في خيام الغجر في سهرتهم الأخيرة بالغور .
كنت استمتع بالغناء الطربي ،والرقص، وصوت زمردة العذب ،الساحر .
كل مافي الخيام تحول إلى آلات موسيقية مع نشوة الطرب ؛كاسات الشاي ،فناجيل القهوة ،المعالق، حجارة الصوان،المهباش ،الأواني .
وكأنهم لايكتفون بالعود والبزق والدفوف والناي ومزمار القصبات.
لقد شعرت بأن كل شيء في الطبيعة يعزف ويرقص ويغني .
اقتربت زمردة مني ..أمسكت بيدي وأوقفتني مخرجتني من خجلي الشديد لارقص معها في وسط الخيمة .
إن كانت تلك احتفالات عادية ،فكيف هي احتفالات الزواج عند قومها.
حقا حياة جميلة ،إلى درجة أني بدأت اقنع نفسي بتجربة العيش معهم .
عند خروجي ودعت زمردة ومشيت قليلا ،لحقت بي صديقتها "كواكب" ونادت علي ،عندما وقفت قالت لي كما وأنها ترجوني :
-حاتم ..لاتضيع زمردة من يدك ..أنها تحبك كثيرا ..أن الأيام والساعات تمر بشكل سريع جدا كما ترى؟
-إطمئني ياعزيزتي كواكب ،فأنا لن يبعدني عن زمردة سوى الموت.أنا أيضا أحبها، وربما أكثر مما هي تحبني.
-أتمنى لكم السعادة ؟
جرت كواكب إلى الخيمة ..سرت قليلا في الظلام الحالك على ضوء القمر، أنظر إلى النجوم الشبيهة بالمجوهرات .
فجأة قفز علي خالد ممازحا يريد إخافتي والسخرية مني ،فكاد أن يوقعني:
-ههههههه لايمكن أن تكون من أهل الغور ياابن عمان المدلل، مهما حاولت السير في الظلام ،صديقي اترك الظلام لأهله ..أنا صديقك خالد "دواس الليل "؟
-خالد ماذا تفعل .
-لم تصطحبني معك إلى السهرة ..سأغفر لك لأني أحبك .
-أمسك بيدي واخذ يحدثني عن الغولة وأرواح الأموات التي تخرج في مثل هذا الوقت من الليل، بينما نحن عائدين إلى القرية قاصدا إخافتي والنيل مني.
* * * * * * * * * * *
في الصباح الباكر أخرجت زجاجة العصير الباردة التي كنت قد وضعتها في ثلاجة عمتي مساء أمس كي أخذها معي لنشربها أنا وزمردة، ولم أنسى أن أضع أيضا في الكيس كاسات ورقية .
في تلك اللحظة ظهر خالد على الباب، والذي اقترب مني معانقا ومقبلا وقال بخبث ظاهر:
-صباحية مباركة ياعريس.
قلت بقرف وأنا أمسح عرقه عن خدي :
-اهلا بك ياخالد ،لكني مستعجل جدا ؟
-أعلم أعلم ياحاتم رافتك السلامة.
ضحكت عمتي وقالت تقصد خالد :
-هذا العفريت أراد أن يشرب عصير حبيبتك..أظنه لحبيبتك، لابد أن لك حبيبةهههههه أليس كذلك ههههه، وأنها ستستمتع بشرب العصير بهذا الجو القائظ، لولا أني قبضت عليه في الوقت المناسب وأخذت الزجاجة منه حيث كان مختلينا بها ،لكن إطمئن أن الزجاجة بأمان منذ البارحة، أوه أنها شديدة البرودة ؟
-كل الشكر لك ياعمتي اسعدت صباحا.
-في حفظ الله ياعزيزي؟
مشيت قليلا لحق بي خالد ممسكا بيدي، ضاغطا عليها، و همس إلي بثقة :
-أهنك ياصديقي، أن زمردة ستقبل بأن تترك قبيلتها للعيش معك ؟
-وما أدراك أنت،لعلك تعلم مافي الصدور.
-هههههههه إلى اللقاء ياصديقي أذهب كي لاتتأخر .
* * * * * * * * * * *
وصلت إلى المغارة ..كانت زمردة في انتظاري وكانت جالسة على التربة الناعمة ،
ماأن رأتني حتى نهضت بفرح وقالت:
-أهلا وسهلا بحبيب القلب ؟
جريت إليها ..احتضنتها بشوق وقلت وأنا كلي لهفة:
-هل تأخرت عليك ياحبيبة الروح.
-أبدا لم تتأخر، فنحن وكأنما الأقدار تخدمنا دائما ياحبيبي ؟
بالرغم من تجربة القبلة الأولى وأثرها الكبير علينا ،فنحن لم نجرؤ على فعلها ثانية ..بالرغم من شوقنا، لااعرف السبب ،قلت وأنا افتح الكيس وأخرج منه الكاسات الورقية :
-لنشرب عصير التفاح وهو بارد ياعزيزتي ؟
-وهو كذلك.
عبأت الكاسات وقدمت لها كاسة وقربنا كاساتنا من بعضها كي تلامس بعضها كما وأنها كؤوس نبيذ مقلدين مانراه في التلفاز .وضحكنا كالاطفال .شربنا الرشفة الأولى كالعرسان أنا من كاستها وهي من كاستي في الوقت نفسه.
بعد ذلك كانت الرشفة الثانية والثالثة ،وبعد الجرعات الثلاث من عصير التفاح الطبيعي البارد كان الحافز للقبلة الثانية في حياتنا .. والثالثة.. وقد سكر العشاق ..وعلى قول قيس بن الملوح " وقبلتها تسع وتسعين قبلة وواحدة أخرى وكنت على عجل"
لكن ...أن ماأذكره حينها سحر عينيها عيناها الواسعتان ،والخمر الذي كانت تسكبه من شفتيها وتسقيني ببذخ ...و...لم نذكربعد ذلك ماحدث لنا ،أبدا لم نعلم ماذا جرى لنا لم نعد نذكر أي شيء بعد ذلك.
( يتبع ...)
تيسيرالمغاصبه
٢٨-٧-٢٠٢٣